ضمانة حقوق الاقليات ضمانة لسلام مستقر
خضر دوملي
يكثر الحديث في الوقت الراهن عن ضمانة حقوق الاقليات في البلدان التي تتسم بالتعددية ( الدينية –القومية – الاثنية ) و تأثيرها في ضمانة سلام مستقر للمجتمعات وفاعليتها على صناعة القرار واهميتها في بناء مجتمع يسوده السلم الاهلي وتنمية مستدامة وتطبيق وسيادة للقانون، خاصة تلك المجتمعات الخارجة من النزاعات الداخلية او الصراعات والحروب التي على الغالب الاقليات هي احد اسبابها.
ان هذا الموضوع بما يأخذه من تشعبات و توسع حسب شكل ونظام الدول التي تتواجد فيها الاقليات ، يشير بوضوح الى تأثرها بالسياسات العامة كما تتأثر بالتشريعات، تأثرها برؤية المجتمع الاكبر للاقلية كما تأثرها بالاطار العام لادارة الحكم ، وهو ما يترك اثرا على رؤية الاقلية للاخر الاكبر ويستشف منها التصورات في كيفية التعامل معها وتكون سببها في تقوقعها و نمطيتها في التعامل مع الاخر والتعاطي معه.
واذا عرفنا ان موضوع ضمانة حقوق الاقليات في البلدان ذات التعددية اصبح جزءا مهما من مسار الحركة الديمقراطية وترسيخها ؛ كون ان الديمقراطية للاغلبية لم تعد عنوانا لشكل الحكم الذي يأتي من صعود الاغلبية لسدة الحكم، بل مدى ضمانتها لحقوق جميع افراد المجتمع هو الاساس لحكم ديمقراطي. يبعد هذا الامر هاجس الخوف لدى الاقليات من تولي جماعة الاغلبية الحكم ، لأن مراقبة المجتمع الدولي لضمانة حقوق الاقلية باتت تأخذ حيزا كبيرا ومهما من الاهتمام وخاصة في القضايا التي تخص انتهاكات حقوق الاقليات او وفقا للتغيرات التي تشهدها البلدان التي تضم بين مكوناتها اقليات مختلفة، وحركة التغير التي طالت المنطقة اسفرت عن الكثير من التساؤلات بعضها مرة عن هذا الواقع وتلك الضمانة التي ينتظرها الاقليات.
الرؤية التي يضطلع بها المهتمين بشؤون الاقليات تفسر بأنهم موضع اهتمام دائم ومتابعة لشؤونهم واحوالهم ، او كما يقول الباحث عبد المجيد سلو في مقال له بعنوان ( حماية حقوق الاقليات الدينية العراقية في التشريعات الوطنية والدولية ) بأنه :
من المعروف انه لا يوجد اي مجتمع او دولة تقوم على المساواة الكاملة المطبقة عمليا، لكن الفوارق يجب ان لا تصل الى درجة الصراع العدائي الا حين تحاول الدولة ان تجعل منها سياسة خارجية رسمية ومعلنة او يمكن ملاحظتها او رصدها ، لان كل دولة بالذات في الوطن العربي و الدول النامية، هي دولة نخبة … غالبا ما توظف لصالحها تفوقا اثنيا او اقليا او دينيا، في هذه الحالة لابد من اليات استبعاد او تقريب وظيفي من اجل استمرارية واستقرار الدولة.
بما معناه ان استقرار الدولة مرتبط بضمانتها لحقوق الاقليات ولايجب ان توظف مسألة الاثنية او الدين لصالحها – الدولة – لأنه موضوع مرتبط بالسياسة الخارجية اي كما اسلفنا تحت انظار المجتمع الدولي.
ليس هذا الامر وحده ؛ حتى مسالة مشاركة الاقليات في صناعة القرار والسلطة و التنمية و الاستفادة منها اصبحت تؤخذ في الحسبان في بناء الشكل الجديد للدول، وخاصة تلك التي تخرج من نفق الدكتاتورية و نظام السلطة الوراثية.
لنعرج الى الجانب الثاني من ضمانة الحقوق ألا وهي مستوى المشاركة للاقلية في ما يلي : صناعة القرار السياسي، التشريع، الادارة المحلية للمناطق ذات الغالبية للاقلية . معلوم ان الدول التي توجد فيها اقليات تتبع الكثير من السبل من اجل ضمانة هذا الحق لها، ويتم هذا الامر اما مباشرة من قبل ممثلي الاقلية الرسميين ( المرجعيات او المؤسسات الخاصة بهم ) او من خلال نشطاء ومهتمين ومختصين في مجال القانون والسياسية لكي يكونوا موجودين في مراجع السلطة او مؤسسات القرار، لكن كثيرا ما يكون وجودهم شكليا بسبب عدم تطور سياسات الحكم الى التعاطي مع التعددية وفق منظور مهني معتدل يراعي حقوق الجميع كما للجميع من حقوق وليس مراعاة تلك الحقوق وفق ما تنظر اليه الاغلبية.
فالنظر الى جانب السياسة والمشاركة فيها تظهر لنا جملة امور، تتمثل في ان ما يتم اتباعه من انظمة في مجال الانتخابات ، تقاسم المناصب ، الكوتا او التمثيل المباشر وما شابه، اصبحت متعارف عليها كثيرا ، وفي بعض الاحيان وجودها ليس اكثر من شكلي على الورق. ولكل واحدة من هذه مساوئها ومحاسنها، و لكن الامر المهم الذي يسد الباب امام المشاكل والتنافر من قبل الاقليات تجاه الدولة ومؤسساتها هو التمثيل العادل الذي يلبي رغابتهم ويكون ممثلا حقيقيا لهم وليس شكليا تابعا لحزب او مؤسسة او شخصية ينفذ اجنداتها مما يجعل الاقلية في مواجهة السلطة او الجهة التي يمثلها وتضيع الكثير من الحقوق في هذا المضمار وتصبح الاقلية مهددة بالنسيان والاهمال .
لكن الامر يختلف بالنسبة للتشريع فهي مشاركة شكلية على الدوام وذلك بسبب طبيعة الانظمة التي تسود الدول التي تعتمد على الشريعة مثلا في تشريع الدساتير والقوانين، فهي تنظر الى حقوق الاقليات وفق منظورها، وفق مصدر السلطات ( الشريعة ) وليس وفق ما تريد ان ينظر اليها الاقلية او حتى لنقل بشكل اعتيادي بين الطرفين. رغم ان المؤسسات الدولية قد أكدت بصراحة على هذا الحق.
واذا كان لابد من الاهتمام بالاقليات ومناطق تواجدهم، يكون من السهل العمل بما يتوافق مع تطلعاتهم غي ضمانة الحقوق الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية دون تميز ايضا ، فتوفير الامن و المؤسسات التي تراعي الحقوق الثقافية هي الضمانة الاكيدة لكي يشعر الاقليات بالامان و الاستقرار ، مما يساعدها على مزيد من التعاون مع المجتمعات الاخرى.
فضمانة الحقوق الثقافية و الاقتصادية للاقليات هو امر مهم ، يتوجب النظر اليه بجانب مختلف في ان تتم مراعاة التمثيل النسبي في المشاريع واقامة الفعاليات التي تساعد الاقليات كي يحافظوا على مورثهم الاصيل بأعتباره جزء من التراث، وهو ما تهتم به المؤسسات الدولية بأعتبارها اسس وركائز للحفاظ على هوية الاقلية في المجتمعات التي تشهد توسعا كبيرا او تراجع نسب الاقليات السكانية بسبب الهجرة والتغير الديموغرافي، اي ان ضمانة هذه الحقوق هي دعامة لسلام مجتمعي مستقر، وهو ما تعمل من اجله العديد من المؤسسات الدولية.
وهنا يكون دور ضمانة الحقوق كشعوب او كأقيلة مستندا الى حقوق الاقليات الدينية وفق المواثيق الدولية اعلان الامم المتحدة مثلا. بشأن حقوق الاشخاص المنتمين الى اقليات قومية او اثنية او الى اقليات دينية ولغوية الصادر عام 1992 اذ تشير بأن ” حقوق الاشخاص الذين ينتمون الى اقليات حقوق فردية، وان كان لايمكن التمتع بها في معظم الحالات الى في اطار جماعي “.
هذا البند يشر بوضوح الى ضمانة الحقوق مع توفر الشروط ، رغم ان الاعلان لايشير الى هذه الحقوق بصراحة ووضوح لأن هذا الاعلان يركز على حقوق الشعوب الاصليلة اكثر . وهذا يبين اهمية ان يتم العمل من اجل ضمانة الحقوق قبل ان تصبح شأن خارجيا من جهة وكذلك مسألة سد الباب بوجه اي تدخل او حل المشكلة بأقل التكاليف من جهة ثانية، ثم ما المشكلة في ان يتم ضمانة تلك الحقوق وفق ماتريده الاقليات قليلا مع ما يريده الاغلبية، لأنه في هذه الحالة لن يكون هناك اية مخاطر على السلطة وشكل نظام الحكم في حال العكس، وكذلك لن تكون الاقلية خطرا على قوة النظام كلما كان ضامنا لحقوق جميع الافراد.
وبما ان قراءة وضع الاقليات في بلد مثل العراق او اية بلدان اخرى في الشرق الاوسط التي توجد فيها مجموعة من الاقليات الدينية والاثنية تبين انها لاتزال بحاجة الى الكثير من العمل وفقا لما يلي :
اولا – من اجل ان يقبل مجتمع الاغلبية وجود الاقليات وهي تتمتع بحقوق اضافية .
ثانيا – ان يقبل الاغلبية بان تتنازل عن بعض الحقوق في سبيل مشاركة الاقليات في صياغة التشريعات بعيدا عن أية تأثيرات تمس حقوق الاقليات او تقلل من مساهمة الاغلبية.
ثالثا – كي يحدث التوازن في مجال التطبيق والممارسة بما يخص وجود الاقلية كجزء من المجتمع ككل وليس النظر اليه او التعامل معه كجزء مختلف.
رابعا – تعامل الاقلية مع تلك الحقوق ليس كشكل من الافضلية بقدر معرفة ان الاغلبية ايضا تنظر الى الموضوع من زاوية مختلفة.
خامسا – التحوط من عدم استخدام او فسح المجال لقضايا معلقة ان تفشل تلك الجهود. اي تأجيل النظر في حقوق الاقليات و الالتفات عليها والتهرب من تطبيقخا وضمانتها.
ينظر المهتمين بحقوق الاقليات الى موضوع المشاركة في الادارة من خلال وضع شخصية تمثل الاقلية في منصب رفيع بما يشبة مراضاة مفتعلة، او ذر الرماد في العيون، لأنه في الواقع ليس هناك اي تطبيق عملي للممارسة ونيل تلك الحقوق، فالانظمة تريد ان تبين نفسها انها ضامنة لتلك الحقوق وفق رؤيتها، بينما على ارض الواقع لايتعامل موظف بسيط بعدالة من المختلف دينيا او اثنيا او مذهبيا او قوميا.
معالجة هذا الخلل هو الامر المهم وهو ما يتطلب تدريب وتعود ممثلي السلطات في التعامل مع التعددية والتنوع المجتمعي – وجود مختلف الاقليات – كشكل منضوي مع الكل دون تميز او الاشارة الى تميز في التعامل، وهو ما يتطلب ان تعرف السلطات قبل غيرها تلك الحقوق وكيفية تطبيقها على ارض الواقع وليس الادعاء بها فقط على مايكروفونات الاعلام والجلسات والاجتماعات الرسمية .
القضية كا تبين ليست سهلة لان السلطات تحس بضمانتها لتلك الحقوق تفقد شيئا من هيبتها – القديمة – او ان ذلك يتعارض مع مبادئها الدينية مثلا، في وقت انها علامة فارقة لديمقراطيتها وفق النظرة الحديثة للدولة وشكل نظام الحكم.
ان مراعاة واعطاء الحقوق في المساهمة في التشريعات من قبل الاقليات لايضر الدولة ومؤسساتها بقدر من انها تزيدها قوة واستقرارا، واعطائها الافضلية في الادارة والتمثيل في المؤسسات الرسمية سيسد الباب امام الذين يريدون التقليل من قوة وهيبة الدولة من خلال حقوق الاقليات، وفي نفس الوقت هي مساهمة ودعم لمزيد من الاستقرار للبلد مما يعني مزيد من السلم الاهلي، خاصة عندما يكون القانون الذي يتم تطبيقه يراعي كل النقاط اعلاه ويوفر الفرصة للمطالبة بضمانة تلك الحقوق وفق الطرق القانونية بما تم صياغته في التشريعات التي لابد لها ان تخرج من نمطها التقليدي في الاعتماد فقط على مصادر محددة بالتركيز على العديد من المصادر، وتأكيدها على وجود مواد قانونية وفق المقررات الدولية لحقوق الاقليات التي اصبحت اكثر من مهمة من اجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية كممارسة عملية وليس الديمقراطية من منظور واحد يراعي بعض الحقوق للاخرين فيها وفق رؤية الاغلبية وبشكل نظري اكثرر مما هو على ارض الواقع.
اذا لابد من العمل بما يحقق ضمانة حقوق الاقليات من اجل سلام مستقر ، ومجتمع يسوده العدالة الاجتماعية وفقا لمساهمة كل فرد في انجاح التشريع والتطبيق والادارة وتطبيقاتها بما يخدم الجميع، وهو ما يعني استقرار مبني على ضمانة الحقوق وممارستها وتطبيقها فعليا من جميع الاطراف، اي ان المسؤولية مسؤولية مشتركة وليس من قبل طرف واحد ولكن ضمانة تلك الحقوق مسؤولية الاغلبية ومن ثم تطويرها وترسيخها – تلك الحقوق – مسؤولية الجميع.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية