متى يملأ الفرح سماء لالش
زهير كاظم عبود
مابين فتاوى يطلقها رجال يدعون تمسكهم بدين تبيح دماء الأيزيديين ، وما بين افعال غزو وحروب وقتال بين جيوش تحمل ترساناتها من سيوف ومدافع وبنادق وقنابل وأحقاد تقابل فلاحين وجوعى وفقراء ومعدمين لايملكون إلا ايمانهم بديانتهم ، مابين سنوات من الجمر كان فيها الأيزيدي متشردا بين فيافي كوردستان ليس له محلا في وطن يزعمون ان له حقا فيه ، منعوا حتى اسمه ان يكون بين الأسماء ، وديانته ان تكون بين الديانات ، وحرفوا قوميته وحقه في المواطنة والإنسانية ، ومابين كل تلك السنوات التي انقطع فيها عن الدنيا ، لايعرف خارج اسوار قريته او بيته .
مابين زمن يبيح القتل بيسر دون ثمن او تأنيب ضمير ، مابين سنوات كان فيها الأيزيدي نصف مواطن ، يناضل في سبيل أن يكون مواطنا له موقع في الدستور والقوانين ، وأن يكون دينة الذي يحث على المحبة والخير والسلام بين الأديان ، وهو من بين أقدم الديانات في المنطقة ، كل هذه السنوات لم تستطع ان تخفف من غلواء الأحقاد والسموم المزروعة في ضمير ونفوس البعض ، فبقيت كراهية الأيزيدية القاسم المشترك والهاجس الأساس لهم .
كل تلك السنوات لم تمنع المتطرفين من ذبح الأيزيديين ، وقتلهم دون سبب ، ومنعهم من دخول مدن العراق والعمل بها دون مبرر مقبول ، كل تلك السنوات والعمل على جعل كل زمن الأيزيديين ممتلئ بالرعب والخوف والإرهاب والتوجس ، ويختلفون في كل الأشياء سوى كراهية الأيزيديين ، عمائم وعقول متعلمة ولحى متبرقعة بأديان متلونة كلها تمتهن كراهية الأيزيدية وتحث على قتلهم وإنهاء وجودهم ، فلا هم تزاحموا مع الآخرين على اديانهم ومذاهبهم ، ولاازاحوهم عن مناصبهم ، فلم يزل الأيزيدي نصف مواطن حتى اليوم ، مهما ارادوا ان يبرقعوا شعاراتهم ومهما حاولوا ان يخدعوا الاخرين ، له نصف الحقوق أن لم يكن له الحق شرعا .
حين ينغلق الضمير وتموت الإنسانية والشهامة في قلوب بعض الناس يسود الحزن والخوف وينتشر التوجس وينعدم الأمن والآمان ، لم يزل حتى اليوم من يتربص بالأيزيدية ويريد بهم السوء ، ولم يزل حتى اليوم من يقطع الطريق عليهم فيذبح رجالهم ويرعب اطفالهم ، لم يزل حتى اليوم يمينا ويسارا ينتشر اهل السوء والشر يخفون انيابهم وأظافرهم تحت مزاعم عديدة ، فيطلقون فتاوى التحريض والحقد ، ويحرفون معاني الدين ويتربصون بهم الفرص .
ماعاد الفرح رغم قلة سحاباته الممطرة على حياة الأيزيديين يحل على سماوات الأيزيدية ، وهم يصطنعون فرحهم ويقتنعون بقليله ، ويصرون على اقتناص فرصه ، لم يكن حزنهم او فرحهم يضير الغير او يؤثر عليهم ، لم يكن فرحهم سوى الاحتفال بأعيادهم ومسراتهم الدينية ، وتعبيرا انسانيا عن جمعتهم وتواصلهم وترابطهم مع رجال دينهم وطقوسهم الدينية منها والشعبية ، طقوس آلت اليهم منذ ازمان سحيقة لم تزل الأيزيدية متمسكة بها وتمارسها .
لم تشكل تجمعات الأيزيدية خطرا على احد ، ولم يتحالف الأيزيدية ضد أحد ، ولا قامت الأيزيدية بحملات تبشيرية ، ولا طعنت بقيم وطقوس أحد ، ولا استخفت بدين احد ، ولا تصدت لأحد ولا قطعت طريق ولا وقفت في طريق الخير والسلام والمعروف والمحبة ، ولكن لم تتوقف حمامات الدم ووقائع الغدر التي تطال شبابهم بين حين وأخر ، فتزيدهم حزنا فوق احزانهم المتراكمة وتزيدهم دمعا .
يرفعون اياديهم الى الخالق الكبير الأوحد ( خدا ) لايطلبون منه شيء سوى ان يتركهم الغادرون بحالهم وينساهم الحاقدون ، ويعيد بعض من فتاوى رجال الدين الى نحورهم وعقولهم الصغيرة ، فالإنسان أكرم المخلوقات عند الله ، وفضله الله على الكثير من هذه المخلوقات ، وان دم الإنسان حرام ، وان المساهمة في زيادة احزان الأيزيدية قطع لسبيل الله وتقاطع لسنة الحياة ، فدعوهم في طقوسهم وديانتهم ، ودعوهم في شأنهم لاتعيدوا مجازر الماضي وجرائم الأسلاف ، دعوهم يحلمون بالفرح ويستمروا بالدعاء لكل الناس بالخير .
يقيدهم دينهم بان يكونوا متسامحين ودعاة سلام ، فيواجهون ذئاب تلبس لبوس البشر وتتبرقع بملابس تخفي تحتها انفس شريرة ممتلئة بالحقد والكراهية ليس للأيزيدية فقط انما لكل الناس حين تريد تحويل الحياة الى ظلام وبؤس وريبة ، وحين تريد ان تحول ايام الناس وفق مقاسات عقولها الصغيرة المنغلقة ، ويقيدهم دينهم من ان يكونوا شقاة وظالمين وقطاع طرق ، فيواجهون عتاة الإرهابيين ودعاة اديان ليس لها وجود ولا يؤمن بها إلا المتطرفين الخارجين عن اسس أديان الله التي جعلها الله طريقا للهداية والإيمان والمحبة والتعارف .
متى تمتلئ سماء لالش بالفرح ، فتتلمس دموع الفرح بديلا عن الهموم والغم والحزن ؟ ومتى يتمتع الأيزيدي بفرحه خالصا دون حسرات ومقيدات ؟ ومتى يكون الأيزيدي مواطنا كاملا له كل حقوق المواطنة التي أكد عليها الدستور ، سواء في الحكومة الاتحادية أو في اقليم كوردستان العراق ، او في اجزاء كوردستان في تركيا وسوريا ؟ متى يعم الفرح طقوسهم فتنطلق زغاريدهم تعم سماء القرى المهملة والعتيقة والمنسية ؟ متى يتناسب الفرح مع عطاؤهم وتضحياتهم ؟ متى ينطلق الوعي الجمعي فيمسح تلك الفرمانات والفتاوى المخجلة ؟ ومتى ننبذ كل تلك الجرائم والأفعال التي تنال منهم ونحتقر من يقوم بها ؟ نقول متى نعيد بناء الإنسان في العراق ونعلم اطفالنا على تنوع المحبة والأديان والمذاهب وأن الانسجام والتفاهم والحياة المشتركة هي القاسم المشترك ، وأن اختلاف الديانات مهما كانت هي طرق متعددة جميعها تؤدي الى منبع واحد وأن المحبة واحترام الآخر قاسمنا المشترك .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية