نحن نعرف مَن نكون
شفان شيخ علو
قرأت في مكان ما، أن نابليون أراد احتلال مدينة، فعجز عن دخولها. وجاء إليه أحد سكانها، ودلّه على طريقة سهلة للسيطرة عليها. وقد تم ذلك. فجاء إليه ذلك الرجل بعدها، وهو يمد إليه يده، فمد إليه نابليون كيساً من الذهب، وهو يقول: نابليون لا يصافح من يبيع بلاده، إنما يشتريه بالذهب.
ما قرأته ذكّرني بتلك المواقف التي تخص وضع أيّ كان، تجاه أمّته أو شعبه أو قوميته. فالذي يقدّم معلومات تضر بأهله أو شعبه، يكون هو نفسه معدوم القيمة، مهما قدَّم خدمات كبرى لأعدائه الذين يعتبرونه عدواً في الواقع.
وفي تاريخنا الكوردي والإيزيدي ضمناً، هناك من يحاول التنكر لأصله أو قوميته أو لغته أحياناً في لحظة غضب، أو وضع معين، دون أن يدرك أنه بذلك يسيء إلى نفسه قبل كل شيء. وأعداؤنا لا يدخرون جهداً في البحث عمن يتعاون معهم، مقابل ما هو رخيص في المال وغيره، وبتلك الكلمات المعسولة، ماداموا يحصلون على ما يفيدهم، في التفرقة وبث الأحقاد في النفوس.
أقول ذلك، وليس في ذهني أي شخص أو جهة. إنما تذكرت ذلك، وفي هذا الصيف الحار، وأنا أتنقل بين بلدي وأهلي وألمانيا التي أقيم فيها منذ سنوات طويلة نسبياً، وألاحظ إلى أي درجة يحب الألماني لغته، وبلده وأهله وقوميته، ويحافظ عليها، وبالمقابل، كيف يحاول أعداؤنا نحن وفي جهات مختلفة، الإساءة إلينا، بالتعرف على تلك النفوس المريضة، ليبقى شعبهم ضعيفاً.
كما قلت، لا أقصد أحداً، وإنما أحببت أن أكتب في هذا الموضوع، محبة لأهلي وناسي وشعبي وبلدي، وليكون هناك تعاون وتسامح والصبر على مصاعب معينة، قبل الإقدام على أي عمل بسبب حالة عصبية، أو ردة فعل معينة، لا يجب أن تكون سبباً لإقامة أي علاقة مع الأعداء الذين لا يفرّقون بين كوردي وآخر، في معتقدهم وأفكارهم، وإن تنكر هذا أو ذاك لأصله .
أن نتقبل بعضنا، أن نحب بعضنا، أن يسامح بعضنا البعض، أن نكون واعين لتلك المواقف التي تتطلب تفكيراً، هو الذي يبقينا أقوياء بالحق وعليه، وهو الذي يخشى منه أعداؤنا..أقول” أعداؤنا ” رغم أنني لا أحمل حقداً أو كراهية لأي كان، كما علمتني ديانتي وحتى قوميتي، إلا حين أشعر أن هناك من لا يعترف بي، ويتنكر لوجودي، أحاول وقتها الرد عليه بما يلزم .
ما أرجوه، وبقلب منفتح على الجميع، وفي هذا الزمان الصعب في أمور معيشية وغيرها، هو أن ننظر في أنفسنا، ونبقى كما نحن، نتكلم بلغتنا، ونستمع إلى من يتكلم بلغتنا، ونتعظ من تجاربنا الماضية وتجارب الآخرين، لنكون أكثر معرفة للأمور، وقدرة على القيام بتلك الأعمال التي تبقينا متحابين، وأقوياء، وقادرين على مغالبة الصعاب، وإفشال خطط الأعداء الذين يريدون الدخول بيننا، وإضعافنا، كما يعلّمنا التاريخ البعيد والقريب .
إن أياً منا حين يفكر بينه وبين نفسه، ومن خلال ما حل بنا من مصائب، نحن الإيزيدية خاصة، ومن هم الذين كانوا سبب هذه المصائب، وفيها مجازر كثيرة تعرضنا لها ممن كنا وإياهم جيراناً، ونعيش مع بعضنا البعض، كما في حال الدواعش الإرهابيين، وكيف نتعرض لآلام وأوجاع أكثر، لا بد أن يصبح أكثر حزماً وقدرة على الصمود، ورفض إغراءات الأعداء.
نعم، أن نبقى على ديننا، نحن الإيزيدية، ونتكلم بلساننا الذي نعرف ككورد ، اللغة الكوردية، ونبحث عن تلك الطرق التي نحل عبرها مشاكلنا، ونستطيع الإقامة بتلك الأعمال التي نبني بها بلدنا، ونجعل مجتمعنا أكثر ترابطاً وعطاءات متبادلة، بالطريقة هذه يمكننا أن نكتشف أشياء كثيرة، لا نحسب لها حساباً، كما يفكّر فينا أعداؤنا ممن يتربصون بنا، وبذلك نزداد إيماناً بمعتقدنا وقوميتنا ولغتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية مع بعضنا البعض، ونفرض أنفسنا بعد ذلك على الأعداء، مهما كان عددهم كبيراً، أو عرّفوا بالقوة، والتاريخ يثبت ذلك لمن يدقق فيه.
محبتي للجميع من أهلي وناسي وشعبي، وهم يخلصون لعقيدتهم وقوميتهم ولبعضهم البعض.
ودمتم أهل محبة، وتسامح، وقوة في طريق الحق والخير ..
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية