قصة المسلحين الكورد ضمن هيئة تحرير الشام
لم ينمُ تشدد وتطرف تنظيمات كالقاعدة والدولة الإسلامية (داعش) داخل المجتمع الكوردستاني، لكن مع ذلك انضم عدد من الكورد إلى التنظيمين. ثم بعد انفصال جبهة النصرة بزعامة أحمد الشرق (أبو محمد الجولاني) عن داعش وعن مبايعة داعش، اتجه قسم منهم إلى إدلب وانضموا إلى النصرة، والآن يوجد أغلب المسلحين المتطرفين المتشددين الدواعش في صفوف هيئة تحرير الشام.
وقد أعلن أحمد الشرع أن 30% من مسلحي تنظيمه مواطنون من خارج سوريا. يوجد في صفوف هيئة تحرير الشام نحو 300 مسلح كوردي، ويوجد ضمن التنظيم مسلحون من البلوج والغيلك، إلا أن غالبيتهم كورد.
هذا التقرير هو خلاصة تقرير مطول أعده الزميل فاضل هورامي ونشر في القسم الانكليزي لموقع رووداو في حزيران 2020.
تحدث عبدالرحمن فتاحي، وهو أحد مساعدي الجولاني، باللغة الكوردية كان رأس الخيط الدال على دور المسلحين الكورد في هيئة تحرير الشام، وكذلك قيام مسلح كوردي في الهيئة بنشر مقطع فيديو عن “انتصارهم” في اللاذقية على نظام الأسد.
كيف انضم كورد إلى هيئة تحرير الشام؟ وما دور المسلحين الكورد؟ ومنذ متى يتواجدون في صفوف التنظيم؟
للعثور على إجابات على هذه التساؤلات، علينا العودة إلى طريقة اتصال الكورد مع هيئة تحرير الشام.
في مطلع 2020، وصلت شبكة رووداو الإعلامية إلى مجموعة مقاطع فيديو ومعلومات على الإنترنت عن الكورد في صفوف التنظيم المسلح، وتبين منها أن مهمة المسلحين الكورد كانت في منطقة الساحل الممتد بين اللاذقية وطرطوس في شمال غرب سوريا، والمنطقتان تعدان مناطق العلويين.
قطع المسلحون الكورد آلاف الكيلومترات بعد 2015 للانضمام إلى هذا التنظيم المسلح، والمنضمون إليه جاؤوا من مختلف مناطق كوردستان، ولأنهم كانوا يحملون الفكر المتطرف لأيام القاعدة وتوابعها وجدوا لأنفسهم الملاذ في سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية فيها.
كان أولئك منهمكين في التحرك والتدريبات بعد مرحلة إسقاط خلافة داعش في سوريا من جانب قسد والتحالف الدولي، وكان أغلبهم يظهر في التدريبات مرتدياً الزي الكوردي، وأصبحوا جزءاً من هيئة تحرير الشام التي كانت تسيطر على منطقة فيها حوالى ثلاثة ملايين نسمة من السكان.
كان مسلحو هيئة تحرير الشام، بما فيهم المسلحون الكورد، منهمكين في إدلب وغيرها بحفر الأنفاق واتخاذ الاستعدادات لمهاجمة المزيد من الأراضي السورية وصولاً إلى العاصمة دمشق.
أطفال دون 12 سنة ضمن التنظيم
أظهرت متابعات رووداو التي قام بها رئيس تحرير القسم الانكليزي لموقع رووداو حينها، فاضل هورامي، ونشرت في تقرير من 5000 كلمة باللغة الانكليزية، الخيوط الأولى لظهور الكورد في هيئة تحرير الشام، وأن هناك عدداً لا بأس منه من المسلحين الكورد في هذا التنظيم، اللافت هو ظهور مسلح كوردي في الصور التي نشرها التنظيم على مواقعه، وهو طفل اسمه زبير الكوردي ويتراوح عمره بين 10 و12 سنة. زبير هذا، قتل في 16 أيار 2020 في إدلب. حسب موقع القادسية التابع لهيئة تحرير الشام على تيليغرام، ظهر هذا الطفل في المواقع الخضر من إدلب ثم أعلن عن مقتله.
المسيرات والقنابل وتدريب المسلحين
تم تزويد المسلحين الكورد في هيئة تحرير الشام بأسلحة وأعتدة، وكانوا خلال الفترة (2018-2023) يشرفون على التحركات والعمليات التي تستهدف جيش النظام السوري والفصائل المقربة منه.
يظهر في مقاطع الفيديو هذه مسلح كوردي اسمه عبدالله الكوردي، يفجر نفسه مع سيارة مفخخة على قوات الحكومة السورية في بلدة جرجناز التابعة لإدلب، وقد نشرت صفحة (إباء) التابعة للتنظيم مقطع الفيديو وقالت إن العملية نفذت في 24 كانون الأول 2020.
في مقطع فيديو آخر، يظهر مقاتلون كورد تابعون لهيئة تحرير الشام وقد حفروا أنفاقاً لاتقاء هجمات الطائرات الحربية، وقد تم خزن الكثير من مدافع الهاون والأسلحة والأعتدة في تلك الأنفاق، وقد واجهوا في 2016 ضغوطاً ومعارك على جبهتين، جبهة داعش وجبهة تابعة للحكومة السورية.
وبعد أن بايعت جماعة (حركة المهاجرين السنة من إيران) في أواسط 2016 جبهة النصرة، وكان أغلب أعضاء تلك الحركة من كورد إيران، زاد عدد الكورد في التنظيم، ولكنهم لم يصبحوا قط جزءاً من المجموعة الكوردية في التنظيم، بل واصلوا علاقتهم مع الجهاديين من غير الكورد في إيران.
في 2016، ذهب واحد من أبرز جهاديي كوردستان إيران، عبد الرحمن فتاحي، إلى سوريا والتحق بجبهة النصرة، وهو أيضاً لم ينضم إلى المجموعة الكوردية بل تولى مسؤولية في القسم الشرعي للتنظيم، ثم انضمت إليهم مجموعة أخرى سمت نفسها جبهة فتح الشام في حركة المهاجرين السنة من إيران، وهؤلاء كانوا من المتابعين لخطب ومواعظ فتاحي.
عدد المسلحين الكورد في هيئة تحرير الشام
كان عدد المسلحين الكورد في هيئة تحرير الشام محل خلاف دائم، ولا يعرف العدد الدقيق للمسلحين الكورد في صفوف التنظيم حالياً، لكن متابعات سابقة لرووداو توصلت في 2020 إلى أن عددهم بلغ 3000 مسلح.
وأظهرت متابعات رووداو أنه بعد فترة قصيرة من اندلاع الأزمة السورية، كان يوجد فرع من تنظيم القاعدة يرتبط بعلاقات مع داعش، وقبل أن يختار هذا الفرع الذي كان يتزعمه أبو محمد الجولاني الانضمام اسم جبهة النصرة لنفسه، انضم إليه متطرفون من مناطق مختلفة، من كوردستان إيران وإقليم كوردستان وأفغانستان وغيرها.
بعد مقتل أحد المسلحين الكورد في جبهة النصرة، شكل كورد إقليم كوردستان وإيران مجموعة كوردية ضمن جبهة النصرة أطلقوا عليها اسمه وسموها (جماعة كوساري).
وعند القطيعة بين داعش والنصرة، انقسمت هذه المجموعة الكوردية فبقي جزء منها مع النصرة بينما بايع الآخرون آبابكر البغدادي، ثم شاركوا في تشكيل الكتيبة الكوردية في داعش (كتيبة صلاح الدين).
واصلت جماعة كوساري في جبهة النصرة بنفس الاسم والصورة ولكن بعدد أقل العمل في النصرة، وتقاربوا في ربيع 2015 مع تنظيم (أنصار الإسلام) الذي غادر العراق بضغط من داعش إلى سوريا.
وبخلاف المرحلة السابقة، امتزجت هذه المجموعة تماماً مع أنصار الإسلام وبعد سنة وبعض أشهر، وبحجة أن أنصار الإسلام لم يولهم الاهتمام اللازم من حيث إسناد المهام والمسؤوليات، خرجوا من صفوف أنصار الإسلام باستثناء قلة قليلة، وكان عدد من خرج يتراوح بين 50 و100.
ثم شكل هؤلاء (حركة السنة المهاجرين من إيران في بلاد الشام)، ومع أن ظروف سوريا أجبرتهم على التقارب من جديد مع جبهة النصرة التي شهدت بعض التغيرات الأساسية، منها تغيير اسمها، لكن التقارب كان تقارباً آيديولوجياً فقط. أما من الناحية التنظيمية فقد كانوا يتصرفون باستقلالية، حتى أنهم كان لديهم علمهم وشعارهم، وقسم إعلام منفصل عن جبهة النصرة تحت مسمى القادسية. استمرت نشاطاتهم على هذا النحو.
بعد الانسحاب والضغط والقصف الذي تعرضت له الفصائل المسلحة تشتت المسلحون الكورد، لكنهم استطاعوا التجمع في حماة وإدلب ولم شملهم واستئناف تحركاتهم.
أبرز القتلى الكورد في هيئة تحرير الشام
على مدى السنوات التسع الأخيرات قتل عدد من المسلحين الكورد المنتمين إلى هيئة تحرير الشام، في حماة وإدلب وأماكن أخرى، وهم من كورد إقليم كوردستان وإيران.
أبو شكيل الكوردي، مولوي بلوجي، أبوبكر توحيدي، أبو قائد الكوردي، سيف الإسلام بلوجي، عبد الرؤوف الكوردي، يونس الكوردي، محمد فاتح الكوردي، وسالم الكوردي، والقائمة تطول، وفي بيان واحد سابق لهيئة تحرير الشام جرت الإشارة إلى مقتل نحو 300 مسلح من (المهاجرين) الكورد والبلوج والغيلك، وغالبيتهم من الكورد.
لكن عدد القتلى الكورد ضمن التنظيم بعد 2020 ليس معروفاً، إلا أن من الواضح والمعلوم أن عبدالرحمن فتاحي يتولى مهمة تجنيد الكورد وضمهم للتنظيم والإشراف عليهم.
من هو عبد الرحمن فتاحي؟
عبد الرحمن فتاحي، كوردي من كوردستان إيران ومن تلاميذ عبدالقادر توحيدي الذي هو كوردي سني درس في أواسط السبعينيات في حلبجة ثم جاب مناطق كوردستان إيران على أنه داعية.
توحيدي، الذي كان فتاحي من تلاميذه، لم يبلغ أياً من أهدافه بعد إسقاط نظام شاه إيران والوعود التي تلقاها في إطار ثورة شعوب إيران، فأعلن في 1984 حركة توحيد للسنة الإيرانيين، وبعد حملة اعتقالات ومطاردات طالت أعضاء التنظيم، وإعدام ثلاثة من مسؤوليها الحياة في إيران، أعلن عبد القادر توحيدي الجهاد، ومع تدمير معسكرهم التدريبي وإقصائهم إلى هورامان وعدم بقاء أي مكان يؤوي أعضاء الحركة، نقلوا نشاطهم إلى أفغانستان، وباستثناء بقاء أعضاء في الحركة في حلبجة وقتالهم هناك، كان عبد الحمن فتاحي من الأعضاء الذين يتنقلون باستمرار من مكان إلى آخر.
كان فتاحي مع مجموعة أخرى يدرسون الدين على حدود إقليم كوردستان في رانية وقنديل، وفي حوار أجرته معه في إدلب مواقع هيئة تحرير الشام، قال: “بدأت في ربيع 1993 بإلقاء الدروس الدينية في رانية في مدرسة دينية تابعة للحركة الإسلامية في كوردستان”، وأشار إلى أنه كان في أيام الجمعة يناقش مع توحيدي موضوع “الجهاد والقتال”.
حينها علم توحيدي بأنه عثر على تلميذ تواق للجهاد، ليجد فتاحي نفسه بعدها داخل القاعدة والتنظيمات الأخرى وكان خلال الفترة (2000-2015) يتولى مهمة تجنيد العناصر للـ”جهاد” في صفوف تلك الفصائل.
قصة انتقال عبدالرحمن فتاحي إلى سوريا تعود إلى سنة 2015، حيث ذهب مع أنصار الإسلام ومن بقي منهم إلى سوريا بعد إطلاق سراحه من سجن رجائي شهر، وليس معلوماً كيف وصل إلى إدلب، لكنه شوهد في بدايات 2015 في إيران ثم ذهب إلى سوريا حيث أشرف على “الدعوة إلى الجهاد” وتجنيد عناصر لصالح الفصيل، وظهر عبد الرحمن فتاحي في العديد من مقاطع الفيديو وهو يلقي الخطب على المسلحين الكورد في هيئة تحرير الشام، وتولى مهمة الدعوة ضمن الفصيل خلال السنوات الخمس الأخيرات ولا يزال.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية