عبدالرزاق علي
في اليوم التالي لآخر جريمة قتل أرتكبها ما كان يسمى (الجيش الجمهوري الآيرلندي السري) في مدينة بلفاست، وكان حصيلتها مقتل ثلاثة تلاميذ، نشرت إحدى الصحف الانكليزية الكبرى، صوراً مبتسمة للأطفال الثلاثة، تحت عنوان عريض: الابتسامات التي لن نراها أبداً. قرر على أثرها وبأيام معدودة قيادة ذلك الجيش الذي كان يطالب بانفصال ايرلندا الشمالية ذات الغالبية الكاثوليكية عن بريطانيا العظمى ذات الغالبية البروتستانتية، وقف جميع عملياته الى الأبد، وبدأت عملية السلام التي مازالت مستمرة الى يومنا هذا.
قبل أيام وضمن سلسلة القتل البشع والمستمر في مدينة الموصل، قتل الارهابيون الذين احترفوا الجريمة، شاباً يافعاً كان يبيع الموز وسط سوق الموصل. وتبين ان دافع القتلة، فقط لان الشاب كردي. ومرت هذه الجريمة، كما فظائع الارهابيين اليومية بحق المواطنين، من دون أن يتوقف عندها أحد. خبر، كبقية الأخبار العراقية اليومية الدموية.
وتوقفي عند هذه الجريمة، ليست لانها استهدفت شابا من أبناء جلدتي، حاشا لله، فبحكم عملي في المجال الصحفي، فانني على اطلاع دائم على عمليات القتل اليومية في الموصل وفي مدن عراقية أخرى. فالقتل، جريمة، بغض النظر عن هوية الجاني والضحية. القتل، جريمة غير مبررة مهما كانت الدوافع والى أن يرث الله الأرض وما عليها.
وأنا أتحدث اليوم عن بائع الموز، أدرك بانه لن يكون الأخير بين ضحايا الارهابيين القتلة، مثلما لم يكن الأول، بل سبقه، مئات الآلاف من الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب العراقي.
أكتب عن بائع الموز الموصلي، لكي أذكر، وعسى أن تنفع الذكرى، وأشير الى خطورة الجريمة وأشباهها من الجرائم، على مستقبل البلاد والمجتمع العراقي بأسره، وللفت نظر القائمين على أمور الناس في هذا البلد المكتوي بنار الارهاب، ولنكتشف جميعاً نوايا الجماعات الارهابية بشتى أسمائها وانتماءاتها. انها جريمة من أخطر ما ترتكبها تلك الجماعات بحق العراق والعراقيين من دون استثناء: القتل على الهوية.
لنضع السياسة والساسة جانبا، ونتحدث كانسانيين فحسب، من كون القتل ليس من السياسة في شيء. دعنا نتأمل لحظات وأطراف الجريمة. شاب في عمر الورد، خرج من البيت وأمه تدعو له السلامة، وكل مبتغاه في الحياة أن يلحق ببائع الجملة ويشترى كارتونا أو ربما كارتونين من الموز ويصل بأسرع مايمكن الى تلك الزاوية من السوق، ويعود مساءً الى منزله وهو مفتخر بتأمين عشرة أو عشرين ألف دينار ليدي أمه المرفوعتين شكرا لله على النعمة وسلامة ابنها. إن الشاب، وليد كوران، غير مبال أبدا لما يدور حوله، مهتم فقط ببيع أكبر كمية من الموز للمارة ويتحدث مع المشترين بعربية ملكنة بالكردية، واذا بوحش كاسر من العصور السحيقة، ينتظر اللحظة، وفي زحمة السوق، ولحظة غياب الانسانية، ينقض على الضحية ليفرغ من مسدسه الكاتم للصوت رصاصات القتل بدم بارد.
يسقط وليد وبيده دزينة من الموز، سرعان ما أخذت لون الدم، لتسقط معه كل القيم الدينية والاخلاقية للمدعين والمتأسلمين من المجرمين والقتلة الارهابيين، منفذين ومدبرين ومحرضين ومبررين.
صورة صحفية، أردعت جيشا الى الأبد، عسى أن يردع بائع الموز، الارهابيين في العراق.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية