اتفاق استانا… ضوء في طريق السلام
عبد الخالق الفلاح
ربما يعتقد الكثيرون ان الأزمة السورية من أكثر الأزمات تعقيداً وتداخلاً على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة وهذه حقيقة لايمكن انكارها في المرحلة السابقة، والتي تشابك فيها السياسي بالطائفي، الداخلي بالخارجي، الإقليمي بالدولي، مما جعلها أكثر تعقيداً . وقد أدى هذا التعقيد والتداخل إلى التباس في رؤى الكثيرين حول الأزمة، سواء بتأييد مطلق لطرف على حساب آخر، دون أن تأخذ في الاعتبار كل هذا التشابك الذي يصعب أن يصدر حكماً مطلقاً يطمئن لصوابه المطلق.اما الاوضاع في الاونة الاخيرة فقد ظهرت عوامل الانفراج واخرها ما تم الاتفاق عليه في الاستانا والتي وقعته روسيا وإيران وتركيا عن طريق رؤساء وفود البلدان الثلاثة الراعية لمفاوضات السلام في أستانا بكازاخستان وتنص على إقامة “مناطق لتخفيف التصعيد” كما جاء في نص الاتفاق سعيا لوقف المعارك في هذا البلد واكد الاتفاق في أنه لا حل عسكريا للأزمة السورية ، ولا يمكن حلها إلا عبر الجهود الدبلوماسية وقرارات مجلس الأمن الدولي والتي تعتبر الخطوة المهمة في طريق الوصول الى الهدوء في إقامة آلية ثلاثية لمراقبة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، ومنع أي استفزازات، وتثبيت كل آليات تطبيق الهدنة ودعوة المعارضة السورية المسلحة المشاركة في جولة المفاوضات التي ستجري تحت إشراف الأمم المتحدة، وشدد على الحاجة الماسة إلى تسريع التفاوض بين الأطراف السورية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2245. والجدر بالذكر ان مفاوضات أستانا تأتي بعد أقل من شهر من بدء سريان وقف لإطلاق النار بين النظام والمعارضة السورية المسلحة برعاية روسية تركية إيرانية، ولا تزال هذه الهدنة صامدة على العموم ما عدا خروق في مناطق بعينها أبرزها وادي بردى، علما بأن الاتفاق على الهدنة جاء بعد انسحاب فصائل المعارضة من أحياء حلب الشرقية. ولاشك ان النتائج محادثات استانا الرابعة هي أفضل بآلاف المرات مما كنا عليه وخاصة بعد دخول الجانب روسي والايراني والتركي .مما يعني في مرحلة متقدمة ومطمئنة جداً رغم الصخب الاعلامي الذي يود ان يعيد التشكيك بقرب نهاية هذا الصراع . كما كان للاتفاق النووي الإيراني مع الدول الستة دور مهم في تغيير الخارطة السياسية ، والتفاهمات الروسية الأميركية، رغم عدم الترحيب به من قبل الأطراف الإقليمية في المنطقة العربية التي تلعب بهذه الورقة ، لأن نتائجها لم تتجاوب مع مصالح هذه الأطراف ورغبتها في التوصل إلى نتائج سياسية في العالم العربي مخالفة لما تم الاتفاق عليه في الاتفاق النووي الايراني مع الدول الستة فقد عملت الأطراف الإقليمية المتصارعة على تشديد الصراع في العمل ضد هذا الاتفاق،ولكن بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا منذ بداية شهر تشرين 2015، والعمل على تغيير موازين القوى على الأرض لصالح النظام في مواجهة المعارضة المسلحة، فقد استشعرت هذه الأطراف أن ثمة تحولات في الموقف الأميركي باتجاه التراجع لمصلحة الموقف الروسي وصمود محور المقاومة وفي دعم الشعب السوري وهذا ماكان وقد دعم أعضاء مجلس الأمن الدولي أن مواصلة المفاوضات حول التسوية السورية والتي أصبحت ممكنة بفضل الاتفاق على وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه من خلال العملية التفاوضية في استانا. وجاء في بيان لمجلس الأمن الدولي، صدر امس الجمعة، أن “أعضاء مجلس الأمن اعترفوا بأن مواصلة المفاوضات السياسية أصبحت ممكنة بفضل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه من خلال عملية استانا”. ودعا مجلس الأمن كافة الأطراف السورية إلى الالتزام بوقف إطلاق النارالمتفق عليه في يوم 299 كانون الأول/ديسمبر الماضي. و أردوغان من جانبه وصف الخطة بأنها تنطوي على “مفهوم جديد” يختلف عن مقترحات أنقرة السابقة لإقامة مناطق آمنة. يساهم تنفيذ ذلك في حل 50 في المئة من الأزمة السورية”. ومن جهته، أكد رئيس وفد المعارضة السورية في مفاوضات أستانا محمد علوش التزام المعارضة باتفاق وقف إطلاق النار، رغم إعلان وفد المعارضة المسلحة تحفظه على البيان الختامي للمفاوضات. وطالب الأسرة الدولية والدول الضامنة إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية لحماية المدنيين. وسبق لكل من السعودية وفرنسا في 24 يناير إنهما تأملان أن تؤدي مفاوضات أستانا إلى استئناف جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف وتوفير المزيد من المساعدات للمدنيين الذين عانوا من الحرب الممتدة منذ نحو ستة أعوام. ومن هنا يمكن القول إن اجتماع أستانا ستكون لها نتائج إيجابية ستنعكس على احلال السلام في سوريا . سيعمل على حل الأزمة السورية بشكل كامل ووقف العمليات العسكرية بعد ان وجدت الدول الداعمى للارهاب أنها تدور في حلقة مفرغة لأنه لا يوجد منتصر في هذه الحرب بعد 6 سنوات، وطبعاً القوى الكبرى بعضها لم يكن يرغب في إيقاف الحرب السورية خاصة أمريكا وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية، حتى تخدم مخططاتها في استنزاف الطرفين بالذات السعودية وتركيا وقطر التي كانت لها الدور الاكبر في الصراع وفي تقديم الدعم للمجموعات الارهابية اللاعبة في الساحة السورية…
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية