الجامعات العراقية على طريق التطور وليس على طريق النكوص
أ.د. محمد الربيعي
كلما تم الاعلان عن نتائج تسلسل او تقييم عالمي للجامعات سارع البعض في تفسير هذه النتائج بما يتناسب ورأيه الشخصي وموقفه السياسي بالمدح والاستحسان او بالذم والنقد، والقاء اللوم في خيبة النتائج على سياسات الدولة والوزارة، ومن دون اية اعتبار لمدى اهمية هذا النتائج، او حتى معرفة بسيطة بآلياتها واساليبها.
واليوم تتناقل الشبكة العنكبوتيىة لرسالة الكترونية حول حصول جامعة بغداد على المركز 701 في تقييم كيو اس (ٍَََQS) العالمي وبتراجع مائة درجة عن العام الماضي. هذا التراجع ادى بالبعض ان يعزي سببه الى تردي التعليم والمستوى الاكاديمي، والذي يعود بدوره الى سياسات الوزارة. يؤسفني جدا ان اجد بين اساتذة الجامعات العراقية من يساهم بنشر مثل هذه الايميلات السيئة، وقد يكون سبب النشر هو الشعور بالاسى والاحباط.
هل يعرف هؤلاء ان مثل هذه النتائج ليس لها اهمية عملية، فهي ككل المسابقات يترجى فيها الفائز مفخرة وشموخ عندما يفوز فيها ويتناساها ويهملها عندما يخسرها. التقييمات العالمية كثيرة هذه الايام وكل منها له اسلوبه وطريقته ونتائجها لا تسمن ولا تشبع الا المتصدرين في سلالمها. وكثير من الجامعات العالمية المتميزة لا تظهر في هذه السلالم او لا تحرز الا تسلسلا واطئا بالقياس الى جامعات اخرى اعتيادية. وكثيرا ما استغربت عند المقارنة وجود جامعات في المنطقة العربية تتفوق على جامعات امريكية واروبية معروفة ومتميزة خصوصا الجامعات الالمانية والفرنسية والهولندية والاسبانية والروسية التي تحرز على مراكز واطئة نسبيا. هل حاول احد من هؤلاء الذين يذمون جامعة بغداد والجامعات الاخرى ان يقارنوا مستواها بمستوى مئات من الجامعات الامريكية والاوربية التي لم تجد مكانا لها ضمن هذا او ذاك التصنيف او التقييم. وهل يعلم هؤلاء ان الجامعات لايمكنها ان تبقى في مركز ثابت او ان تحرز تقدما بصورة دائمية، والا لحشرت كلها في نفس المواقع المتقدمة ولم يعد لاي تصنيف او تقييم أية اهمية.
اني حقا لا ارى ايه اهمية ولن اقلق لتراجع جامعة بغداد من مركز 601 في العام الماضي الى 701 في هذا العام، بل اني على العكس ارى انها استطاعت ان تحافظ باقل تقدير على مركز في التقييم ولذلك فاني اتقدم لها بالتهنئة، مع ذلك فاني احب ان اسأل الذين يتهمون الجامعة بالتقصير كيف للجامعة ان تدخل هذا التصنيف او ذاك او تتفوق فيه؟ وبماذا افتقدت جامعة بغداد في عام واحد فتراجعت في التصنيف؟ هل يعرف هؤلاء معايير تصنيف كيو اس؟ اني متأكد انهم لا يعرفون لماذا حصلت الجامعة على هذه النتائج، ولا يريدون معرفتها. ما يهمهم هو النتيجة، الا ان ما يهمني هو كيف يتم الحصول على نتائج عالية وكيف للجامعة ان تصبح جامعة متميزة. هل من الممكن ان تكون جامعة بغداد قد حافظت على مستوياتها الاكاديمية الا ان جامعات اخرى تفوقت عليها لأنها استطاعت تطوير مستوياتها؟ إذن، الترتيب نسبي ولا يعني ان جامعة فقدت الصدارة بسبب تردي ادائها الاكاديمي.
الجامعات المتميزة الامريكية والبريطانية كهارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (ام اي تي) وكلية لندن الجامعة (يو سي ال) واكسفورد وكامبردج وستانفرد وييل تتصدر دائما التصنيفات المختلفة لان لها تاريخ علمي مرموق وتختار طلبتها من الاذكياء والمتفوقين مدرسيا واساتذتها من العلماء المتميزين ولها إمكانيات مالية ملائمة وقوة أكاديمية مؤهلة وبنية تحتية شاملة، وكذلك لانها مستقلة، ويتمتع اساتذتها بكامل الحرية الاكاديمية ويحصل خريجوها على احسن الوظائف. ومعظم الجامعات الاخرى بالرغم من جودة النوعية والبيئة العلمية التي تتميز بها الا انها لسبب أو لاخر تبقى تراوح في اماكنها وتتنافس على المراكز الوسطية على حسب المعلومات المتوفرة للتصنيفات العالمية. اما بعض الجامعات العربية فقد تبوأت مراكز متقدمة لانها استطاعت التعاقد مع علماء متميزين مقابل عروض مادية مغرية مثل رواتب عالية جداً وصلت الى 90 ألف دولار مقابل العمل في الجامعة لمدة أربعة أسابيع فقط خلال العام. استطيع ان اضمن تفوقا لأية جامعة عراقية اذا ما تم “تعيين” اساتذة عالميين “من اصل عراقي” في الجامعة بصورة دوام جزئي على سبيل المثال. اليس هذا اسلوب سهل وبسيط وغير مكلف ماليا لتحقيق التميز في التصنيفات العالمية؟
مع ذلك اعود لأقول ان على الجامعات العراقية عدم الاكتراث بدرجة ترتيبها في التصنيفات العالمية، ولا ان يكون الوصول الى مرتبة عالية في التصنيفات العالمية هدفا بحد ذاته، وانما يجب الاهتمام بالتحسين والتطوير وبدونهما فإن الجامعات العراقية ستبقى مهما كانت مراكزها في التصنيفات، ومهما كانت اعداد طلبتها وامكانياتها الاكاديمية والمالية تتزاحم على الكراسي الخلفية مثلها مثل معظم جامعات العالم العربي والدول النامية. التحسين على أساس خطط مدروسة في كل قسم وكل كلية وكل جامعة ويمكن قياس نتائجه ومقارنتها بنتائج الجامعات الاخرى لهو افضل وسيلة للوصول الى القمة.
ويلاحظ القارئ اني دائما اؤكد على التحسين في كتاباتي لاني مؤمن ايمانا راسخا ومستندا على خبرة دولية، انه السبيل الوحيد للتفوق العلمي والتميز. ولو تمت دراسة مقالتي حول تحسين الجودة والنوعية والمعنونة: كيف يمكن لنظام الجودة من تحسين جودة التعليم في الجامعات العراقية؟ * لوجدت الجامعات العراقية فيها كثير من الاقتراحات العملية لتطوير التعليم والتعلم والبحث العلمي وخصوصا بما يتعلق بتطوير قابليات التدريسين الاكاديمية والاحترافية. واعيد تأكيد ما ذكرته في نهاية المقالة حول اهمية المبادرات متساءلا وباحثا عن جواب من الجامعات: “هل هناك في الجامعة اية مبادرة أو مشروع لتحسين الجودة (النوعية)؟ ومن هم المنتفعون من هذه المبادرة، ومن هم المسؤولون عنها؟ وكم عدد التدريسيين والطلبة الذين شاركوا في دورات لتحسين الجودة؟ وهل تم توسيع هذه الدورات لتشمل الاقسام الاخرى؟ وما هي التحديات التي تواجه تنفيذ مثل هذه المبادرات؟ وما هي وسائل الجامعة في تشجيع مثل هذه المبادرات؟ وما هي وسائل مراقبة هذه المبادرات وضمان نجاحها، وما هي معايير النجاح”.
وأخيراً، أود ان أؤكد بأن مستقبلاً مشرقاً ينتظر الجامعات العراقية، لأنها بدأت تبحث في معايير النجاح والتقدم، ويدفعها في ذلك حرص قياداتها على التميز والتفوق.
————————————————
مقال ذو علاقة بالموضوع
* أ.د. محمد الربيعي: كيف يمكن لنظام الجودة من تحسين جودة التعليم في الجامعات العراقية؟
http://alakhbaar.org/home/2013/4/145071.html*
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية