بعد مؤتمر أربيل ..الفيليون أمام واقع جديد
جواد كاظم ملكشاهي
كمتتبع للشأن الكوردي الفيلي اطلعت وشاركت في الكثير من النشاطات والفعاليات التي تخص هذه الشريحة المظلومة، لكنني لا اعمم، معظم تلك النشاطات كانت لأغراض نفعية ومصالح اما حزبية او شخصية ولذلك لم تحقق نتائجها المرجوة وتراجعت رويدا رويدا تاركة ورائها آثاراً سلبية على قضية انسانية ضحاياها مئات الاف من البشرتعرضوا للتهجير القسري والتغييب الجماعي واسقاط الجنسية والاعتداء على كرامتهم ليس لذنب سوى انتمائهم القومي والمذهبي ودورهم الفاعل في الحياة السياسة في تاريخ العراق المعاصر.
ما شهدته ولمسته في المؤتمر العلمي الدولي حول الابادة الجماعية للشعب كوردستان (الابادة الجماعية للكورد الفيليين) الذي احتضنته اربيل عاصمة اقليم كوردستان من 2 الى 4 من شهر ايار 2023 كان مختلفا تماما ومميزا عن سابقاته وحقق نجاحا باهرا بأمتياز وذلك بشهادة النخب الفيلية من كتاب وصحفيين ومثقفين ورجال الاعمال والشخصيات العشائرية والطبقات المختلفة من الذين شاركوا في المؤتمراو من الفيليين وغيرهم الذين تابعوا مجرياته من بعيد عبر وسائل الاعلام او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
لا اريد الخوض في التفاصيل كون التفاصيل بحاجة الى وقت كثير، لكني سأشير وباختصار وعلى شكل نقاط الى ما ميز مؤتمر اربيل عن جميع الفعاليات التي قامت بها احزاب ومنظمات وجمعيات خلال مرور عقدين على سقوط النظام الدكتاتوري و وضع المتلقي الفطن على ما سيتمخض عن نتائج المؤتمر فيما لو استثمرها الكورد الفيليون بشكل صحيح وهي الكتالي:
أولاً – الجانب التنظيمي:
كان اختيار ثلاث جامعات رصينة من اقليم كوردستان (صلاح الدين وسوران ودهوك) فضلا عن مستشار فخامة الرئيس لشؤون الكورد الفيليين الاستاذ (علي الفيلي) لتولي الاعداد والتحضير للمؤتمر نقطة مهمة وعاملا اساسيا لأنجاح المؤتمر،فضلا عن التعاون الوثيق من قبل العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية والحزبية والشخصيات الرفيعة في اقليم كوردستان مع اللجنة التحضيرية لتعطي زخما اكبر للمؤتمر، لذلك كان الاعداد والتنظيم على مستوى عال من الدقة ،من حيث دعوة الباحثين واستلام البحوث وتقييمها وتمحيصها، كون القائمين هم اساتذة جامعيون اكاديميون مختصون وخبراء في مجال البحث وعقد المؤتمرات العلمية،لذلك كانت المحاضرات والندوات خلال الايام الثلاثة مكثفة وعالية المستوى والمتحدثين والمحاضرين من خيرة الشخصيات العلمية والأكاديمية ولهم باع طويل في مجال البحوث في جرائم الجينوسايد على مستوى الاقليم والعراق والعالم.
في المجال البروتكولي، كان البرنامج المعد مسبقا، برنامجا يرتقي الى برامج مؤتمرات لا تقل اهمية عن المؤتمرات التي تعقدها المنظمات الدولية او الدول المتقدمة في العالم، بدءاً من اختيار الشخصيات لحضور المؤتمر وانتهاءاً باستقبال الضيوف واختيار اكبر قاعة اجتماعات في اربيل كون عدد الحضور تجاوز ال (700) شخص وتهيئة جميع مستلزمات المؤتمر من امور تنظيمية ولوجستية،فضلا عن دعوة وسائل الاعلام المختلفة التي كانت تنقل مجريات المؤتمرعلى مدار الساعة، لا ادعي بأن المؤتمر من حيث الاعداد والتنظيم كان مثاليا بمعنى الكلمة،كون مؤتمر وكرنفال بهذا الحجم الكبيرلا يخلوا من بعض الهفوات وان كنت شخصيا لم اشعر بها.
ثانياً – الاهتمام والدعم المنقطع النظير:
اطلاق مبادرة عقد المؤتمر ورعايته من قبل القائد القومي ومرجع الشعب الكوردي فخامة الرئيس “مسعود بارزاني” الشخصية البارزة التي لها دور محوري في جميع قضايا اقليم كوردستان والعراق والمنطقة والعالم، والحضور اللافت لكبار مسؤولي الاقليم بدءاً من فخامة الرئيس مسعود بارزاني و رئيس الاقليم السيد نجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة السيد مسرور بارزاني فضلا عن مسؤولي الصف الاول الحكوميين والحزبيين و مسؤولي رفيع المستوى في الحكومة الاتحادية في مراسيم افتتاح المؤتمر ان دل على شيء انما يدل على الاهتمام الكبير والمنقطع النظير والاصرار على نجاح المؤتمر والدفاع عن حقوق شريحة مهمة من المجتمع الكوردستاني وهي ايضا رسالة واضحة للكورد الفيليين قبل الاخرين ،بان نصرة قضيتهم واعادة حقوقهم وكرامتهم المسلوبة هي من صلب واجبات القيادة في اقليم كوردستان وضمن اولويات وستراتيجيات تلك القيادة الفذة.
ثالثاً – خطاب فخامة الرئيس مسعود في افتتاحية المؤتمر:
خطاب فخامة الرئيس “مسعود بارزاني” في المراسيم الافتتاحية للمؤتمر حمل في طياته الكثير من المعاني الانسانية والقيم السامية والرعاية الابوية وكذلك الوفاء لما قدمه الكورد الفيليون من تضحيات ودماء سخية في حركة التحرر الكوردستاني على مدى القرن الماضي ومن اجل الحرية والديمقراطية للعراق، لكن ما لفت انتباهي ككوردي فيلي ومشارك في المؤتمر نقطتين اساسيتين من الخطاب وهما التأكيد على ما معناه ان زمن الخطابات الرنانة والرقص على جراحات الكورد الفيليين قد ولى وهذه رسالة واضحة وجلية مفادها انه من الان فصاعداً على جميع من يدعي الدفاع عن مظلومية الكورد الفيليين القيام بواجباتهم بشكل جاد وملموس بعيدا عن الاستثمار الشخصي والحزبي والابتعاد عن التهريج الاعلامي والخطابات العقيمة التي اثرت سلبا على مظلومية هذه الشريحة التي تعرضت لأبشع جريمة ابادة جماعية..والامر الثاني هو مقترح فخامة الرئيس مسعود بارزاني عن تأسيس مكتب للتنسيق ومتابعة شؤون الكورد الفيليين في اربيل يتولى متابعة مخرجات وتوصيات المؤتمر وجميع الحقوق القانونية لهذه الشريحة كالبحث عن رفاة المغيبين وانهاء معاناة اسرهم وذويهم و الغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الصادرة ضد الكورد الفيليين وشمولهم بالتعويضات اسوة بالضحايا والمتضررين الاخرين من النظام السابق وبناء حياة جديدة لهم كمواطنين عراقيين لهم حقوق وعليهم واجبات من دون اي تمييز مع الاخرين.
رابعاً – اختيار الباحثين والمشاركين:
برأيي المتواضع كان اختيار باحثين مختصين عراقيين ومن دول عربية واسلامية واجنبية ،فضلا عن خبراء بجرائم الجينوسايد على مستوى العالم،من احدى الامور الاساسية التي ساهمت في اغناء المحاضرات وانجاح المؤتمر كون احاديثهم لم تكن خطابية وانشائية للأستهلاك المحلي كما شهدناها سابقاً ،بل كانت علمية بحتة،تطرقوا فيها الى امور مهمة كثيرة وبالتأكيد هذه البحوث والدراسات والمحاضرات ستطبع وتدون على شكل كتب تنشر في ارشيف المراكز العلمية والدراسات الستراتيجية على مستوى العالم وذلك يجعل من قضية جينوسايد الكورد الفيليين قضية انسانية تأخذ ذو مدى دولي ،ما يسهل علينا ككورد فيليين نيل حقوقنا بشكل اسرع واسهل،واما دعوة شرائح مختلفة من النخب والمثقفين والاكاديميين والعشائر ومنظمات المجتمع المدني من الكورد الفيليين وغيرهم في داخل العراق ومن المغتربين لحضورهم جلسات المؤتمر امرا في غاية الاهمية سواء من حيث حضور جلسات المؤتمراو الاجتماعات الجانبية التي عقدت على هامش المؤتمر للبحث والمداولة في الشان الفيلي وتقديم مقترحات للعمل المستقبلي وتشخيص اخطاء الماضي ومعالجتها في المستقبل.
خامساً – الجانب الاعلامي:
لعبت وسائل الاعلام في اقليم كوردستان والوطنية العراقية دورا كبيرا للترويج منذ الاعلان عن نية الاعداد والقيام بعقد المؤتمر والى ختامه ،الحضور الكبير لوسائل الاعلام المختلفة المحلية والاجنبية والتغطية المباشرة الرائعة لأعمال المؤتمر خلال الايام الثلاثة واجراء عشرات اللقاءات مع الباحثين والمشاركين اعطت زخما كبيرا لأيصال رسالة المؤتمر للرأي العام العراقي والعالمي ولاسيما لشريحة الكورد الفيليين،ما ساهم وبشكل كبيرفي تعريف المؤتمر وانجاحه من الجانب الاعلامي،وينبغي للإعلام الحرفي اقليم كوردستان والعراق وحتى بعض وسائل الاعلام العربية والعالمية حث جميع الاطراف المعنية القيام بواجباتهم في متابعة وتنفيذ مخرجات وتوصيات المؤتمر وتوجيه النقد البناء والصريح لكل من يقصر في اداء واجبه وكشف وفضح كل من يحاول استغلال معاناة الكورد الفيليين لأغراض شخصية وحزبية.
ما دونته في هذا المقال المقتضب هو جزء بسيط من اهمية المؤتمر ومخرجاته الكبيرة والمتعددة والتي ستظهرأثارها لاحقا للمتتبعين ولابناء شريحة الكورد الفيليين،شريطة ان نكون نحن ابناء الفيليون بمستوى المسؤولية وهذا الكرنفال الدولي وأستثمار مخرجاته وتوصياته فضلا عن الدعم الكبير الذي نحظى به من لدن القيادة في اقليم كوردستان وعلى رأسها فخامة الرئيس “مسعود بارزاني” وان نضع المصالح الشخصية والحزبية جميع الميول والاتجاهات جانبا والعمل بروح الفريق الواحد من اجل وضع نهاية لمعاناتنا،بقي ان اختم مقالي بالعنوان الرئيسي للمقال وهو (بعد مؤتمر اربيل ،الفيليون امام واقع جديد) وتحمل مسؤولياتهم المستقبلية من دون اي مبرر.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية