إن عولتم على بغداد فستبيتون بلا عشاء
عارف قورباني
قلت هذا مراراً، إن الكورد اختلقوا لأنفسهم فهماً خاطئاً فيما يخص معرفة وتقييم الشيعة في العراق، ولكون العرب السنة هم الذين حكموا العراق في القرن الماضي، والظلم الذي حاق بالكورد جاء من الحكام العرب السنة، ولأن الشيعة أيضاً نالهم جانب من الاضطهاد وكانت لهم أحزاب سياسية تعادي نظام البعث في خندق واحد إلى جانب الكورد، ظن الكورد أن الشيعة سيكونون الظهير والسند للكورد.
هذا التصور الخاطئ عن الشيعة، جعل الكورد بعد إسقاط صدام يدعمون الشيعة بصورة مبالغ فيها لتذهب مفاصل حكم العراق كافة إلى إليهم، وبدون الأخذ بخطر احتمال أن هؤلاء الذين يمثلون الأغلبية عددياً سيستغلون في الغد مسألة الأغلبية والأقلية في التراجع عن التوافقات والاتفاقيات التي بني على أساسها العراق الحديث.
تغاضى الكورد كثيراً عن جرائم الشيعة تجاه العرب السنة، بدون الأخذ بحاجة الكورد إلى الإبقاء على نوع من التوازن بين الشيعة والسنة، لتكون فسحة المناورة أمام الكورد أوسع نتيجة الخلافات والصراعات بين الاثنين. كما لم يستشعر الكورد خطر تمدد الميول التوسعية الشيعية باتجاه كوردستان بعد نجاح سياستهم لتطهير السنة والتخلص منهم.
ورغم أن قسماً كبيراً من الكورد على المستوى الشعبي، وبصورة خاصة بين المهتمين بالسياسة، لم تتبين لهم حقيقة أن الكورد كأمة وجغرافية تتمثل في كوردستان، يقعون ضمن الدائرة التي يطمع فيها الشيعة كجزء مكمل لمشروع الهلال الشيعي، وكل الخلافات التي برزت بعد انسحاب أميركا في أواخر العام 2011، بين بغداد وإقليم كوردستان، جزء من هذه الستراتيجية الشيعية في العراق. كان سوء إدارة إقليم كوردستان ووجود مشاكل وخلافات كثيرة بين القوى السياسية الكوردستانية من جهة، ولأن البيت الشيعي حصل من جهة أخرى على عدد كبير من الكورد الرخيصين لاستخدامهم في تجميل السياسة الشيعية، تم توجيه الرأي العام الكوردستاني بصورة لا يدرك معها بسهولة حقيقة الحكم الشيعي وخطره على مستقبل كوردستان.
لهذا ليس من السهل خلق فهم عام في كوردستان لحقيقة الحكم الشيعي ومعرفة الستراتيجية الشيعية. فرغم أن الشيعة ينتهجون منذ نحو عشر سنوات سياسة تجويع شعب كوردستان، بدأوا منذ نحو سنتين بضرب البنى التحتية والفوقية لاقتصاد كوردستان، ويخططون لتفكيك الأسس القانونية والدستورية للحكم الذاتي للمناطق الكوردية. من دواعي الأسف أن هذه الحقائق كلها لا ترى، وفي خضم الصراعات والخلافات بين الكورد وبغداد يوجد كثيرون رضخوا لهذا التيار المضل المتنامي الهادف لتغيير سايكولوجيا الشارع الكوردي، وما زالوا يرون أن بغداد على حق وأن كل اللوم يقع على كوردستان.
تمكنت بغداد منذ أكثر من خمسة أشهر من منع كوردستان من تصدير نفطه، وكان ذلك واحداً من الأهداف الستراتيجية للحكم الشيعي، لكنها ليست مستعدة لصرف حصة إقليم كوردستان بل ليست مستعدة لصرف ما يكفي لرواتب متقاضي الرواتب في إقليم كوردستان. في حين يبدو من البيانات المشتركة الصادرة عن اجتماعات وفدي إقليم كوردستان وبغداد، أن بغداد تزيد من مطالبها في كل مرة، بينما تشير تصريحات الوزارات المعنية في إقليم كوردستان وكبار مسؤوليه إلى أنه لا يوجد طلب طلبته بغداد ولم يلبه إقليم كوردستان، لكن بغداد ليست على استعداد لإطلاق حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة الاتحادية.
ومع أن هذا الحصار الاقتصادي من جانب بغداد أثر سلباً على حياة شعب كوردستان، وتسبب في المئات من المشاكل العائلية والاجتماعية، ووضع الناس في حالة صعبة، فإن بإمكان استمراره أن يؤدي شيئاً فشيئاً إلى إيقاظ شعب كوردستان وتنبيهه إلى أن جوهر الحكم الشيعي والنية الحقيقية للشيعة تتمثل في أنهم لا يريدون أن ينمو للكورد ظفر يحكون به رؤوسهم.
لم أكن قط مؤيداً لتقديم الكورد تنازلات لبغداد، لكن ولكي تظهر الحقائق ويدرك شعب كوردستان، ولغرض تصحيح الفهم الخاطئ من جانب الكورد للشيعة ولكي ينتبه الكورد إلى الستراتيجية الشيعية الخطيرة التي يواجهونها، أقترح على حكومة إقليم كوردستان تسريع تقديم ما تطلبه بغداد، ليس فقط في ملف النفط والمنافذ الحدودية وليس فقط في ملف العائدات المحلية المتنوعة فحسب، بل أن تطلب من بغداد إيفاد موظفين عرب شيعة لاستحصال أجور الماء والكهرباء داراً داراً. أدعو حكومة إقليم كوردستان لتطلب من بغداد توجيه لجنة من الوقف الشيعي العراقي إلى كوردستان لجمع أموال الزكاة وزكاة الفطر وحملها إلى بغداد.
ثقوا لو أن كوردستان أقدم على هذه الأمور أيضاً، لن تكون بغداد مستعدة أبداً لتدفع كل شهر مليار دولار لإقليم كوردستان، لكن الناس لا تدرك هذه الحقيقة، وعلى إقليم كوردستان الإسراع في اتباع هذه السبل لتتضح هذه الحقيقة، وعندها عليه أن يفكر في حاله ويدبر أمراً، فيقيناً سيبيت أبناء كوردستان بلا عشاء إن كانوا يعولون على لقمة تأتي من بغداد ليتعشوا بها.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية