مارس 12, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

خيري بوزاني: بارزاني يحذّر ويدعو.. هل تستجيب القوى السياسية لإنقاذ الفدرالية؟

بارزاني يحذّر ويدعو.. هل تستجيب القوى السياسية لإنقاذ الفدرالية؟

خيري بوزاني

في لحظة تلتقي فيها مسارات القدر بين الممكن والمجهول، وبين الطموحات السياسية والمشكلات المتراكمة، برز صوت نيچيرڤان بارزاني رئيس إقليم كوردستان – في كلمته اليوم بمناسبة مرور 55 عاماً على اتفاقية 11 اذار – كنداء يتجاوز حدود السياسة التقليدية ليتحول إلى موقف رئيسي يرسم ملامح المرحلة القادمة. دعوته الموجهة للقوى السياسية الكوردية والعراقية لتعزيز الفدرالية والدفع نحو التعايش السلمي لا تقتصر على كونها بياناً دبلوماسياً، بل تحمل في طياتها مطالبة بقراءة معمقة للواقع. النظام الفدرالي الذي يقوم عليه دستور العراق لعام 2005 ليس مجرد إطار سياسي، بل هو عقد اجتماعي يهدف إلى صيانة التنوع وضمان الحقوق الدستورية لجميع المكونات.

غير أن تعمق الخلافات بين بغداد وأربيل جعل النظام الفدرالي عرضة للتراجع تحت ضغوط سياسات استثنائية وسلبية، حتى بات يُعامل كخيار تفاوضي بدلاً من كونه قاعدة دستورية أساسية. يدرك بارزاني أن زعزعة هذه الصيغة قد تترك الباب مفتوحاً للعودة إلى المركزية التي حاول العراق طويلاً التغلب عليها، ما قد يؤدي لدورات صراع لا تنتهي، تُختزل فيها السياسة بمنطق الغلبة والاستحواذ بدلاً من بناء شراكة متوازنة.

التعايش السلمي ليس مجرد شعار رنان، بل يمثل شرطاً لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار في كل من العراق وكوردستان.

التركيبة الاجتماعية العراقية، المتنوعة قومياً ودينياً ومذهبياً، لا تحتمل مزيداً من الانقسام الذي تغذيه الروايات الإقصائية والمصالح الضيقة. ما يطرحه نيچيرڤان بارزاني يعد محاولة لصياغة رؤية سياسية تُعالج الأزمات الراهنة وتُفضي إلى بناء نظام حكم يرتكز على التوازن والاحترام المتبادل، بعيداً عن النمط الذي يجعل من السياسة ساحة صراع يدفع ثمنها المواطن قبل أي طرف آخر.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يُمكن لهذه الرؤية أن تنجح في ظل تجربة تُظهر أن الاتفاقات السياسية بعد 2003 غالباً ما تكون قصيرة الأمد بسبب تضارب المصالح وغياب الإرادة الحقيقية لاحترام الدستور كوثيقة مُلزِمة؟ الفدرالية، التي يُفترض أن تكون وسيلة لحل النزاعات بين بغداد وأربيل، تحولت أحياناً إلى نقطة مواجهة بدلاً من كونها أداة لتنظيم العلاقات وفق القانون. بل تم استخدامها كوسيلة ضغط أو إطار لفرض الهيمنة.

في هذا السياق المعقّد سياسياً، تمثل دعوة بارزاني تحذيراً وفرصة أخيرة في آن واحد. تحذير من أن القرارات الأحادية لن تُفضي إلا إلى المزيد من الأزمات، وفرصة لإعادة بناء الثقة والعلاقات على أسس أكثر ثباتاً واستدامة. ولتحقيق هذا الهدف، على جميع الأطراف إظهار شجاعة سياسية حقيقية والاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة والاعتراف بأن الفدرالية ليست مطلباً كوردياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية لتأمين وحدة العراق ومنع مزيد من الانقسامات.

مستقبل العراق وكوردستان لن يُحسم فقط على طاولة المفاوضات، بل يعتمد أيضاً على قدرة الأطراف كافة على تجاوز الحسابات الضيقة وتجسيد الفدرالية والتعايش السلمي كخيار استراتيجي لا مجرد أداة مساومة ظرفية. يبقى التساؤل: هل ستلقى دعوة نيچيرڤان بارزاني استجابة فعلية أم أنها ستُهمل وسط تلاطم أمواج المصالح المتعارضة؟

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi