نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (2)
– أسلاف الكورد: أقوام لولو و گوتي و كاساي
د. مهدي كاكه يي
تذكر دراسات تاريخية كثيرة بأن أصل الكورد هو شعب زاگروس القديم الذي عاش في وطنه، كوردستان منذ عشرات الآلاف من السنين. خلال الحُقب التأريخية التي مرت على شعب زاگروس، قامت الكثير من القبائل و الفروع التابعة للشعب الزاگروسي بتأسيس ممالك وإمبراطوريات وحضارات في المنطقة. من القبائل الزاگروسية التي أقامت الممالك و الإمبراطوريات في كوردستان، هي السوباريون والسومريون والإيلاميون واللولويون والكاشيون والخوريون – الميتانيون والأورارتيون والميديون والكاردوخيون.
إن طبيعة كوردستان الجبلية وكثرة الأنهار فيها لابد أن تكون قد لعبت دوراً كبيراً في ظهور ممالك كوردية عديدة أُقيمت من قِبل قبائل زاگروسية مختلفة و بشكل مستقل عن بعضها نتيجة وجود الجبال الشاهقة و الأنهار الكثيرة في كوردستان التي عزلت هذه القبائل عن بعضها بحيث تقوم في كثير من الأحيان بتأسيس ممالك مستقلة خاصة بها بدلاً من مملكة موحدة. هكذا يمكن للمرء أن يكتشف بأن أصل الكورد يرجع الى هذه القبائل الزاگروسية التي سكنت كوردستان منذ زمن سحيق في القِدم (إرشاك سافراستيان: الكرد وكردستان. ترجمة الدكتور أحمد خليل، بيروت،2007 ،صفحة 23؛ محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 74-80).
المصادر الآشورية في الألفَين الثاني والأول قبل الميلاد تشير الى مدى التقارب اللغوي والإجتماعي والحضاري بين هذه القبائل والأقوام الزاگروسية التي هي الأصول القديمة للشعب الكوردي ((دياكونو?: ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، 1998)
سأركز هنا على جغرافية و تأريخ الممالك الزاگروسية لتبيان كون بلاد آشور كانت موطناً لأسلاف الكورد قبل تأسيس مملكة آشور ولإلقاء الضوء على العلاقة بين الآشوريين وأسلاف الكورد وخاصة السوباريين، حيث أن غالبية سكان بلاد آشور كانوا من الأقوام الزاگروسية الكوردية.
شعب لولو
يُسمّى أيضاً شعب لولوبوم وكان يقطن في القسم الشمالي من جبال زاگروس في منطقة زهاو وشهرزور والسليمانية خلال الالف الثالث قبل الميلاد. خلال الألف الثالث قبل الميلاد، قام شعب لولو بتأسيس مملكة “خمازي” في منطقة السليمانية الحالية في جنوب كوردستان. نصوص رسالة مسمارية تشير الى وجود تحالف بين مملكتَي خمازي وإيبلا الكورديتَين للتعاون معاً في حماية المملكتَين من التهديدات الخارجية (الدكتور فوزي رشيد: مملكة خمازي، مجلة كاروان، عدد 21، دهوك، 1984، صفحة 144)، وفيما بعد إندمج شعب لولو مع الشعب الگوتي (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 60)، بينما يذكر توفيق سليمان بأن بلاد اللولو إمتدت الى بحيرة أورميا (توفيق سليمان: دراسات في حضارات غرب آسية القديمة. الطبعة الأولى، دار دمشق للطباعة والصحافة والنشر، 1985، صفحة 132) وكان قسم من اللوليين يقطنون في غرب كوردستان الحالي (مصدر رقم 1).
في عام 3700 قبل الميلاد، تمّ أقدم ذكر لشعب لولو في الكتابات المسمارية في لوحة مكتوبة في عهد الملك الأكدي “نارام سين” التي عثر عليها الميجر ادموندز في مضيق گاور الواقع في جبال قرداغ في جنوب كوردستان الحالي، حيث كتب الميجر ادموندز مقالة حول هذا الموضوع بعنوان “أثران قديمان في كوردستان” في مجلة “جيوگرافيك جورنال”. كما أنه في زهاو الواقعة في شرق كوردستان الحالي، تم العثور على حجر منقوش يعود لعهد ملك اللولو (آننو بانيني) و تأريخ الحجر المذكور يرجع الى عام 2800 قبل الميلاد (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، هامش صفحة 60). يشير العلامة محمد أمين زكي أيضاً بأن المستشرق هوزينگ يقول بأن لغة شعب لولو كانت من نوع اللغات الإيلامية (نفس المصدر السابق، صفحة 61) و كما يرى المؤرخ سپايزر بأن هناك أيضاً تشابه لفظي بين لغة شعب لولو و الشعب الهوري (الخوري) و أن اللولويين هم أسلاف الشريحة اللورية الكوردية (مصدر رقم 1).
الوثائق الآشورية تشير الى أن بلاد اللولو كانت متقدمة جداً في مجالات الصناعة والعمارة والفنون بحيث أن الملك الآشوري (آشور ناصرپال) قام بنقل الكثير من أرباب الفنون والصناعات من سكان بلاد لولو الى بلاد آشور (مصدر رقم 2؛ جمال رشيد أحمد وفوزي رشيد: تاريخ الكرد القديم، أربيل، 1990،صفحة 27- 28).
يقول البروفيسور كمال مظهر بأن هناك صلة وثيقة بين اللولويين والهوريين (الخوريين)، حيث أن الشعب الكوردي هم أحفاد هذين القومَين وأن اللوليين قاموا ببناء مدينة كركوك ويومذاك كانت كركوك تُعرف بإسمَين، أرابخا واليلاني والتي تعني مدينة الآلهة، بينما الهوريون أطلقوا إسم “نوزي” على مدينة كركوك (الدكتور كمال مظهر: كركوك و توابعها – حكم التاريخ والضمير – دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 5).
الگوتيون
ينتمي الگوتيون الى شعب زاگروس و كان موطنهم الأصلي هو القسم الأوسط من جبال زاگروس وأنهم الأصل الأول للشعب الكوردي (مصدر رقم 1، صفحة 117). ظهر إسم گوتي في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد. يشير العلامة محمد أمين زكي بأن حدود بلاد الگوتيين كانت تمتد من أرمينية الى كيموخي (طور عابدين) (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 61، 62). كما يذكر المستشرق الروسي دياكونو? بأن الشعب الگوتي كان يقطن في شرق وشمال غرب بلاد لولو، في كل من كوردستان وأذربيجان و كانت أرّابخا (كركوك) عاصمةً لمملكة الگوتيين وفيما بعد تم إطلاق إسم ال”گوتيين” على جميع الأقوام التي كانت تعيش في شمال شرقي بابل (دياكونو?: ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، 1998، صفحة 109، 110). كما يقول الدكتور جمال رشيد بأن الگوتيين عاشوا في المناطق المنحصرة بين نهر الزاب الأسفل ونهر ديالى، حيث شكّلت كركوك وتوابعها مركز بلادهم (جمال رشيد: ظهور الكرد في التاريخ، الجزء الأول، صفحة 547). يقول المؤرخ سپايزر أن الگوتيين كانوا موجودين في بلاد سومر قبل تأسيس الحكومات فيها بزمن غير قصير (مصدر رقم 1، صفحة 99). حكم الگوتيون لمدة حوالي 200 عاماً وحكموا وسط وجنوب العراق لمدة 125 عاماً (جورج رو: العراق القديم، ترجمة حسين علوان حسين، بغداد، 1984،صفحة 215). إستولى ملك أور السومري (أتو – هيگال) على بلاد الگوتيين الذين إضطروا الى العودة الى موطنهم الأصلي في جبال زاگروس (مصدر رقم 3). فيما بعد إندمج الگوتيون مع اللوليين و أصبحت بلادهم جزءً من بلاد اللولو (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 90).
شعب كاساي (الكيشيون ،الكاسيون)
إن شعب كاساي (كاششو) المذكور في زمن الأكاديين أو (كوش) الذي تم ذكره في الكتاب المقدس وفي الروايات البابلية، هو من شعوب زاگروس. إستوطنوا بادئ الامر منطقة كرماشان (كرمانشا ، قرمسين ) وكانوا يعملون كفلاحين ومزارعين ويقومون بتربية الخيول وكانوا متقدمين في العمران والفنون والصناعة وفن الكتابة والخط (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة . الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 454 – 456).
في سنة 1746 قبل الميلاد، قام الكاسيون، بمشاركة الگوتيين واللوليين، بقيادة الزعيم (غانديش) بالإستيلاء على بلاد سومر وأكد، حيث أسسوا حكومة قوية بإسم “كادونياش” ودام حكمهم هناك لحوالي ستة قرون (1746 – 1171 قبل الميلاد) (مصدر رقم 1). عند الإستيلاء على بابل، لم يتدخل الكاسيون في أمور الحكومة الجنوبية لبابل (سومر) لفترة من الزمن، حيث حافظت الحكومة السومرية على كيانها السياسي لمدة ثلاثة قرون (2068 – 1710 قبل الميلاد) (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 93، 94؛ مصدر رقم 1). بعد إسقاط الحكومة الكاسية من قِبل الإيلاميين، عاد الكاسيون الى جبال زاگروس (لورستان).
إستمر الكاسيون في الوجود حتى القرن الأول الميلادي بهذا الإسم في لورستان الواقعة في شرق كوردستان الحالي، ثم إختفى إسمهم وحلّ محله إسم (اللور). ليس من المُستبعد أنه كان يُطلَق في بادئ الأمر إسم (لور) على فرعٍ من الشعب الكاسي و ثم صار إسماً للشعب الكاسي بجميع فروعه (مصدر رقم 1).
كان الكاسيون وثنيين وكبير ألهتهم يُدعى “سرياش” أي آلهة الشمس وأن لغة الكاسيين كانت فصيلة من اللغات الآرية (مصدر رقم 1). كما أن العلاّمة محمد أمين زكي يذكر بأن المستشرق هوزينگ يشير الى أن اللهجة الكاشية مشابهة تماماً للغة شمالي إيلام وأن هناك بعض الأسماء والأعلام الكاسية تُشبه الأسماء الهورية.
المصادر الأجنبية
1. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia.
2. Olmstead, A. T. (1923). History of Assyria. Chicago, USA.
3. Hall, H.R. (1919) The Ancient History near east. London, fourth Edition, page 186.
mahdi_kakei@hotmail.com
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية