الشاعرة التونسية منى بعزاوي: الأدب هو أيقونة الجمال والعشق والمثل الأعلى للتواصل والانفتاح على الآخر
منى بعزاوي (موناليزا العرب): أعيش داخل القصيدة بكل مشاعري وأحاسيسي
حوار: خالد ديريك
منى بعزاوي هي باحثة وشاعرة وأديبة من مدينة القيروان التونسية، تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي بالمعهد الثانوي بمعتمدية الشراردة، متحصلة على الأستاذية في اللّغة والآداب العربية وعن الماجستير في علم الاجتماع وباحثة في الدكتوراه اختصاص تصوف وعرفان إسلاميّ. فضلاً عن كونها طالبة في اللّغة الفارسية.
بدأت مشوارها الأدبيّ منذ سن المراهقة بحيث نطقت في بداياتها بالحرية والتحرر الفكري والفلسفي من خلال مناجاة الأفق المنشود من وراء قضبان المبيت الثانوي الذي كانت تسكنه في فترة الدراسة الثانوية.
انطلقت في عالمها الأدبي من خلال تدوين أشعار منطوقة بصدق ونقد وتأمل وفلسفة معرفية سابحة في رؤى أفلاطون ونيتشه وغيرهما واللذان كانا ملهما الشاعرة في فترة الثانوية. من هذه العوالم راوحت الشاعرة في بداياتها بين الرؤية الواقعيّة الوجدانيّة والرؤية الفلسفيّة ذات الأبعاد التأسيسيّة والتكميليّة للوجود وللكمال الذاتي والإنسانيّ.
سبب اتخاذها لقب “موناليزا العرب”: موناليزا العرب هو لقب أدبي ناتج عن ثقافة الفن والإبداع من خلال لوحة الفنان الشهير ” ليوناردو دي فينشي” الإيطالي صاحب لوحة “الجوكندا أو الموناليزا ” وقد استلهمت هذا اللقب لمدى تأثري بتلك اللوحة الفنية العميقة التي خلدت في تاريخ الفنون في العالم، تلك اللوحة هي النموذج الأمثل لماهية الكينونة الإنسانيّة والفنيّة وقد راقصت قصة الموناليزا وجداني وواقعي الأدبي والثقافي وألهمت مشاعري بواقعية وتفنن. إذ من خلالها تعلمت معاني الوجود الإنساني وآليات التحدي وصنع التاريخ والثقة بالنفس.
فقد تكون الموناليزا ملكة ذات رؤى وصفات مثالية بارزة مجسدة في لوحة ولكنني أراها ملكة في أفق العصور لا محدودة الزمان والمكان لأنها تعبير عن وجدان فلسفي واجتماعي مثير للجدل. تلك الجدليّة هي التي كانت سبباً في اختيار اسمها وجعله همزة وصل لآفاق كتاباتي وآفاق البحث عن اللامتناهي في الوجود.
الحزن والوحدة قادتها إلى حرائق القصيد والكتابة: إنّ الحزن والوحدة لهما وحدهما كل الفضل في تبلور حرائق الكتابة وفي الحقيقة تعد حرقة الشعور بالعزلة العاطفية والاجتماعية أولى الأشياء لاعتبارهما متنفسان من الشعور الباطني الكامن في داخلي. لذا لا يمكن تحديد الفترة الزمنية بشكل محدد لتملك إحساسي بالشعرية التامة أو لنقل إنّني شاعرة أولد مع كل قصيدة وأعيش معها في لحظاتها ثم أطوي الصفحة وأمر لعالم أدبي آخر.
إذ بالنسبة لي الإحساس هو أثر متجدد مع تجدد الزمان والمكان ومع تجدد ذاتي داخلهما.
القصيدة هي وليدة أحاسيس متعددة ومتنوعة باختلاف البيئة والمحيط وباختلاف المشاعر لذلك يحاول الشاعر أن يراوح بين الخير والشر وبين المكيدة والفضيلة وصولاً إلى الحكمة في تحقيق نتيجة الشعر ولا مفر من ذلك لا سيّما وأن الشعر لا بد أن ينطلق بحقيقة الأشياء وأن يصحح مسار كل شيء وفقاً للتجربة الذاتية ثم الاجتماعية.
شخصياً، أعيش داخل القصيدة بكل مشاعري وأحاسيسي، فالقصيدة ليست مستقلة بذاتها وليست متقوقعة بنفسها، بل إنها وليدة كم هائل من الوجدان وغالبا ما أكتب في لحظات الحزن القصوى وأبدع لأصل إلى النشوة الأدبيّة والسعادة الأبديّة بعد كتابتها وكأنّ الشعر هو متنفسي الوحيد في هذا الوجود والذي أثمر إصدار أربعة دواوين شعريّة حملت معاني العشق وحتميات الحياة والقدر، فضلاً عن مناجاة الآخر في كل مكان حتى لو سكن عالم البرزخ والمنتهى.
تضيف: الشاعر يعيش في الواقع وفي الخيال وهو مجنون في عالم الواقع وعاقل في عالم الخيال تلك هي فلسفة الشاعر الفنان الذي يمزج كل شيء من أجل تحصيل لوحة فسيفسائية ويرسم عالمه الخاص.
تنتقد ذاتها دون تردد: طبعا أنا أقبل النقد البناء وأتعلم منه من أجل تقديم رؤية أدبية أفضل، فالكتابة نقد أو لا تكون حتى إنّ عالم الكتابة والنقد هما عالمي الذاتي الذي أعيش به ومعه في آن واحد ولا يتوقف النقد عند الآخر بل أحاسب نفسي وأنقد ذاتي دون تردد في الموضوع.
لا الجدوى في المنافسة بين قصيدة النثر والتفعيلة والعمودية: لأن عالم الشعر متحرر بذاته ولا يمكن لأي شيء أن يجعله متقوقعاً وفقاً لشروط ما، لذلك لا أرى لهذه المنافسة جدوى، فلكل أسلوب معانيه ودلالاته ويعتبر الشاعر هو المتحكم والحكم في تأصيل الهويّة الحقيقيّة لعالم الشعر من منطلق مبادئ وجدانية ومواهب ربانيّة.
حول إنتاجها الأدبي والصعوبات التي واجهتها تقول: أنتجت أربعة دواوين شعرية وأصدرت كتاباً في علم الاجتماع حمل عنوان ” المرأة والشرف في الثقافة العربيّة المعاصرة”. مختلف كتاباتي الشعرية حملت عناوين العشق والجنون والعشق والجزاء والعشق المراقص للقدر لاعتبار أن العشق هو السم القاتل الذي يقتل صاحبه رويدا رويدا فتساهم الكتابة من خلاله في إحياء نبضات قلبه بالقرب والبعد وبالألم والأمل.
ضمن تجربتي تعايشت مع العديد من الصعوبات ولم أجد الدعم المادي ولا المعنوي من أي جهة تذكر حتى إنّني تحديت الجميع وأصدرت كتبي بمفردي حسب امكانياتي المحدودة وأنا فخورة بكسب التحدي في عالم الكتابة ونيل مراتب مشرفة في تونس وخارجها ولا أعتقد أن كسب التحدي يكون بسهولة وربما لولا الصعوبات لما واصلت دربي فهي أحياناً تكون الداعم الأساسي لاستمرارية المرء.
دواوينها لم تعد ملك لها ولا تفرق بينهم: الدواوين التي أصدرتها باختلاف معانيها ودلالاتها ما عادت ملكي الشخصي بل أصبحت ملك الآخر بما في ذلك الذوات والقراء وليس من حقي مراجعتها أو تعديلها فقد خرجت عن مسار وجداني في هذه اللحظات وأنا أعيش تجارب أخرى في الكتابة من أجل أن أتعايش بألوان مختلفة وبهويات متعددة في هذا العالم المعرفي.
في الحقيقة لا يوجد عندي ديواناً أكثر دلالا من غيره لأنّ جل دواويني عبارة عن ديوان واحد يعيش بالعشق من أجل استمرار العشق في الوجود، ولا أعترف في عالمي إلاّ بالعشق في أوج حالاته الجنونيّة والمعرفيّة واللا معرفية.
تسهب عن كتابها “رحلة بألف رحلة” الذي هو بصدد النشر قائلةً: كتاب رحلة بألف رحلة هو كتاب في أدب الرحلات، دونته على إثر رحلتي إلى إيران منذ صيف 2016 وهي أولى التجارب في عالم كتابة هذا الجنس الأدبي، حيث إنه نتاج أولى رحلاتي خارج تونس.
هذه الرحلة مكنتني من معرفة حقيقة الشعب الإيراني الشقيق ومعرفة الحقيقة بالعين المجردة دون الخضوع لثقافة السماع. فقد عرفت شعباً مناضلاً متحدياً لكل الصعوبات، ساهم في بناء مجتمعه وفي تأصيل ثقافة النصر وتحقيق العلم والتطور من منطلق وعيه التام بثقافة العمل وتحقيق المنشود. إن السفر يمكّن صاحبه من تحقيق تجربة مثلى في الكشف عن هوية الآخر وثقافاته وحضاراته المتعددة ولعّل التجربة الإيرانية في العالم قد أضفت سبل تحقيق كل ما هو مستحيل.
هذا الكتاب هو نموذج ثقافي لمعرفة ثقافة إيران وشعبها ومراحل تقدمها على جميع المستويات حيث كانت تجربة فريدة من نوعها أسهمت في نقلتي الأدبية والفكرية وأضافت على شخصيتي هوية المعرفة الحقيقية من منطق التجربة الذاتية. وأرجو أن تكون رحلتي الأدبية نموذجاً نحو تغيير الرؤى وتحقيق ثقافة استشرافية ملؤها الانفتاح والتواصل والاستمرار مع الآخر رغم الاختلاف اللغوي والاجتماعي.
إسهاماتها ومقالاتها العلمية والثقافية: قدمت ضمن تجربتي الشخصية العديد من المقالات العلميّة والأدبيّة والتي تراوحت بين عالم الكتابة وعالم المعرفة والأدب. فضلاً عن البحث العلمي، إذ تناولت بالبحث عديد القضايا الشائكة في علم الاجتماع و علم التصوف و العرفان الإسلامي، حيث أوجدت رؤى استشرافية جديدة تعنى بالهويّة العرفانية للوجود العرفاني من خلال تأصيل معان مثالية عميقة في أدبيات التصوف و العرفان الإسلامي و الجهاد في سبيل الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كما أوجدت مقاربات نقدية لعالم الترجمة لا سيّما داخل عالم الشعر لاعتبار أنّ ترجمة الشعر تتميز بالنسبية و المحدودية في المبنى و المعنى فالشعر نستطيع ترجمة أساليبه و آليات بناءه لكننا لا نستطيع ترجمة مشاعر و أحاسيس الشاعر بمصداقية تامة و بصورة متكاملة.
هذا وتناولت بالبحث قضايا المرأة وقضايا الأمّة الإسلاميّة التي تعاني من تفكك مميت إلى اليوم، ودوماً يسعى الشاعر نحو تأصيل الوعي والمسؤولية بالذات والمجتمع والدين الإسلامي، فضلاً عن الدفاع عن حرمة الشعوب المسلمة من ذلك فلسطين والعراق وسوريا وغيرها من الدول لا سيما بعد تفاقم ظاهرة ما يسمى بالربيع العربي. فالإنسان اليوم مطالب بالتصدي لكل آفات الصراعات والتناحر المذهبي والفكري والاجتماعي والسياسي من أجل الظفر بمجتمع إسلامي متماسك ومتحد.
المواضيع التي تطرقت إليها في هذا الصدد: لقد تناولت بالطرح العديد من الأطروحات ولا يمكن حصرها في بعض الجمل إلاّ أنني أستطيع القول إنّ مجملها تتمحور حول دراسة القضايا الراهنة، فالمرء صار اليوم مكبلاً بين واقعه وأفقه المنشود كما صار متقوقعاً على ذاته، الأمر الذي أفقده أساليب التواصل مع الآخر والانفتاح عليه وهذا ما جعله يعيش الكبت الداخلي والخارجي. لذلك أحاول في كل مرة أن أتطرق لموضوع شائك داخل مجتمعنا الإسلامي في مجالي الأدب والبحث العلمي كي تتكون الهوية الحقيقية للذات الإنسانية ويصل إلى نتيجة تخرجه من حدود المحدودية والمستحيل إلى رحاب الإنتاجية والممكن.
اللغة الفارسية لغة ثرية، والشعب الكُردي يعرف بالصمود والكفاح منذ القدم: لازلت أخطو خطواتي الأولى في تعلم اللّغة الفارسيّة، وبدأت اكتب بعض القصائد الشعرية في عالم العشق والمحبة بهذه اللغة السامية، وأطمح لتعلمها لاعتبارها لغة ثرية سابحة في المعاني والدلالات المعرفية والأدبية والعرفانية فهي لغة العشق والتحابب والتواصل والانتشاء الروحي والوجداني، ومنها ظهرت كتابات الخيام ومولانا جلال الدين الرومي والفردوسي والرودكي وسعدي الشيرازي وغيرهم.
إنّ عالم اللغة الفارسية هو عالم الاتحاد والإيمان والثقة بالذات فهو عالم مليء بكل معاني الوجود التكاملي الذي يصنع استمرارية وديمونة للذات الإنسانية داخل عالمها وخارجه لذلك سأسعى إلى الإلمام بتعلم هذه اللغة الجميلة والسلسلة ذات الأبعاد الوجودية والوجدانية العميقة من أجل الوصول إلى عالم الترجمة والكتابة بين اللغتين العربيّة والفارسيّة.
إن اللغة الفارسية هي التي مكنتني من التعرّف على اللّغة الكُردية من خلال بعض النصوص التي درستها، فالشعب الإيراني أسهم في تأصيل هوية التعايش والانفتاح على القوميات الأخرى على غرار الأكراد أو الكُرد وكان من أبرز ما يميزهم ثقافتهم وتراثهم الشعبي النابع من حضارات متعاقبة وهي لغة هندو أوروبية مثل اللغة الفارسية تكتب بحروف عربية في إيران رغم تعدد اللهجات، يعتنقون أغلبهم الدين الإسلامي فضلاً عن كون الشعب الكُردي يعرف بالصمود والنضال والكفاح منذ القديم إلى اليوم.
تجربتها الإعلامية في الإذاعة: الأديب مكلف بنشر آداب السلم والتواصل مع الآخر ومكلّف بتحمّل مسؤولية عصره وقضاياه الشائكة وكانت هذه التجربة نافذة للوقوف على أبرز القضايا الراهنة على غرار القضايا الأدبية والتي نراها اليوم منكبة على أدب التعريف بقضايا الإرهاب ومواكبة عصر الثورات.
هذه التجارب قد تعكس ثقافة الخوف من المستقبل و التردد في نيل خطوات التقدم و استشراف المستقبل و الشاعر و الأديب لهما الدور الكبير في توعية الشباب “جيل المستقبل” و تقديم الرؤى الثقافية و الاجتماعية من أجل تأطيره كما هو الشأن مع القضية الفلسطينية الراهنة و التي مورس عليها كل أشكال العنف و الحروب و التسلط الصهيوني لذلك فتح لنا راديو فلسطين الدولي نوافذ التعبير عن قضية الأمّة الإسلاميّة و محاولة تسليط الضوء على ممارسات الكيان الصهيوني على أطفال فلسطين المحتلة و نأمل أن نقدم الإضافة في خدمة الديمقراطية و السلم الاجتماعي في العالم و من مسؤولياتنا كل من موقعه أن نحمل شعار الأمل و العشق و السلام في ظل مستجدات العصر الراهن و مقتضيات الواقع.
في الختام: نأمل أن يتواصل درب الكتابة الاستشرافيّة ذات الأبعاد الإنسانيّة خدمة للفرد والمجتمع، فالأدب هو أيقونة الجمال والعشق والمثل الأعلى للتواصل والانفتاح على الآخر بمختلف الرؤى والتجليات الفكرية والمعرفية.
وأشكركم جزيل الشكر على هذه الفرصة وعلى انفتاحكم الثقافي والمعرفي على شخصيات أدبية مختلفة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية