جريمة العصر.. 10 سنوات على فاجعة إبادة الازيديين ومازال الالاف منهم مفقودون
معد فياض
صادف موعد وصولي الى دهوك مع بلوغ الوجبات الاولى من العوائل الازيدية الهاربة من بطش تنظيم داعش الارهابي في سنجار الى البيت الذي خصصه احد الوجهاء الايزيديين لاستقبال النساء والاطفال.
حدث ذلك قبل عشر سنوات بالضبط، وكانت النسوة والاطفال من كلا الجنسين يصلون بعد ان مشوا لساعات طويلة بلا ماء او طعام وتحت اشعة الشمس الحارقة، واغلبهم مشوا ليلا لمقاومة الجو الحار وحتى يفلتون من ملاحقة الدواعش لهم.
كانت المشاهد كأنها مستلة من وقائع احداث الحروب البشعة، صور واصوات تبقى لاصقة في الذاكرة لن تتغير او تتزحزح كانها صخور ثقيلة رابضة في الضمير. حكايات نقلتها الصبايا، وقتذاك لم تتجاوز اعمارهن الثالثة عشر، والامهات وعيونهن شاخصة في الفراغ وكانهن في كابوس مرعب، بل كان اكثر الكوابيس رعبا في تاريخ الانسانية الحديث.
لن انسى مثلا ما روته لي الطفلة فرح، او ربما لم يكن هذا اسمها، قالت: “هاجمونا سبعة رجال مدججين بالاسلحة، كنت انا وبنات عمي الثلاث، ولانني نحيفة (ضعيفة) استطعت الاختباء خلف خزانة الملابس (الكنتور) واستطعت ان اسمع احاديث المجرمين وهم يمزقون ملابس بنات عمي ويجرجروهن خارج الغرفة، وبعد ان ابتعدوا وحل الليل استطعت ان اخرج من مخبأي واركض بالاتجاه المعاكس لهم، لم اكن اركض لوحدي بل كان هناك غيري من النساء والاطفال، وانا لا اصدق ما جرى وما يجري”.
سكتت ونظرت في وجهي مباشرة وسألتني: “هؤلاء كانوا عرب ومسلمين وجيراننا، وكنا نلعب مع بناتهم، وكانوا ياتون ياخذون منا الخبز والزيتون وبعض الطعام، لماذا فعلوا بنا ذلك؟”. لم استطع الاجابة على هذا السؤال المحرج للغاية، خاصة بعد ان سالتني مباشرة: “عمو انت عربي ومسلم؟”، قلت لها: لا. أنا قادم من لندن ولا اعيش هنا”، اجابتي كانت دفعا لعار وتبرئة من جريمة ستبقى وصمة في تاريخنا وتاريخ انسانيتنا مع اننا لم نسهم او نشارك بها.
كانت عيون الامهات الذابلة من فرط البكاء تروي قصص الفجيعة، فجيعة فقدان بناتهن واولادهن وازواجهن وخواتهن، حتى اني كنت اخشى ان اسالهن عما جرى فأخدش الطبقة الرقيقة من مشاعرهن فتتفجر براكين البكاء والحزن جراء الفواجع التي المت بهن.
معد فياض واطفال ازيديون
واحدة من الامهات كانت تنوح بصمت، قالت: “لا اعرف كم فقدت ومن فقدت، عندي ست بنات وثلاثة اولاد وزوجي واختي عندها اربع صبايا وولدين وزوجها، كنا نعيش في بيت واحد بسنجار، حتى الان ليس معي سوى هذا الطفل الذي ينام بحضني”، قلت لها مواسيا: “سيأتون. انتظري لا بد ان يأتوا”، نظرت في وجهي وهي تتهم مواساتي بالكذب وغرقت ببكاء عميق.
مئات، بل الاف القصص التي تلخص فواجع الازيديين منذ سبي بناتهم وقتل رجالهم واولادهم على يد الدواعش، قصص رويت خلال السنوات الماضية واخرى لاتزال مطوية في نفوس من تخشى روايتها، وقصص ستروى على مدى السنوات القادمة، قصص تخجل الانسانية من تفاصيلها المرة ونحن نحيا في الالفية الثالثة حيث قوانين حقوق الانسان والحريات. واحدة من تلك القصص المفجعة قالتها وبشجاعة الفتاة الكوردية الإزيدية “علياء برجس” البالغة 19 عاماً، التي قتل الدواعش والدها أمام عينها وأسروا أفراد عائلتها، وباعوها بينهم 6 مرات. هذه الأحداث الأليمة، هي جزء مما عانته، من بطش عناصر تنظيم داعش.
علياء روت لشبكة رووداو الاعلامية كيف انها بيعت عدة مرات وتعرضت للاغتصاب على يد وحوش التنظيم الارهابي، وقالت: “لقد قتلوا والدي أمام عيني. كما قتلوا شقيقيّ وأربعة أعمامي”. وتابعت: “كان عمري 9 سنوات آنذاك، وأبعدوني عن والدتي، لقد اشتروني وباعوني 6 مرات، وأحد أولئك الجناة كان سورياً وأكبر من والدي عمراً، أي حوالي 50 عاماً”. هذه واحدة من الاف القصص التي تخجل الانسانية من تفاصيلها المؤلمة.
في كلمته التي القاها خلال مراسم الذكرى العاشرة المؤلمة للإبادة العرقية للإزيديين، وصف رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني هذه الذكرى باعتبارها: “ذكرى واحدة من أشد جرائم التاريخ وحشية، والتي لا تزال جراحها تنزف رغم مرور عشر سنوات، ولا يزال مواطنونا الإزيديون يعانون من تداعياتها وآثارها. إنها ذكرى جريمة خطيرة أخرى أضيفت إلى جرائم القصف الكيمياوي والأنفال والترحيل والوأد والتدمير، وكل الجرائم التي اقترفت بحق شعب وأرض كوردستان”، منبها الى “استشهاد أكثر من خمسة آلاف بينهم مئات تم رميهم بالرصاص ودفنوا في نحو مائة مقبرة جماعية، وخطف أكثر من 6417 فتاة وسيدة وطفل إيزدي، وسبيهم والاتجار بهم في أسواق النخاسة، لايزال مصير 2596 منهم مجهولاً للأسف، وتدمير سنجار وأطرافها، وتشريد مئات الآلاف من أهالي سنجار والمنطقة، كل هذه الآلام والعَبَرات لن تنسى في عشر سنوات، بل لن تنسى أبد الدهر”.
ويؤشر رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني مسألة مهمة عندما يقول:”كانت الإبادة العرقية للإزيديين في عصر الحداثة والتطور صدمة كبرى لا تصدق، هزت الإنسانية كلها في العالم أجمع. فباتت نقطة تحول في تاريخ كوردستان والعراق، كان يجدر الوقوف عليها بجدية أكبر، وأن يعمل المجتمع الدولي معاً لعدم تكرار تلك الجريمة أبداً في أي مكان آخر. مع تكريس كل الجهود لينال المجرمون عقابهم، وتتحقق العدالة للضحايا، ويجري تعويض الضحايا بكل الطرق! في هذه الذكرى نحيّي ذكرى الضحايا بكل إكرام. وننحني في حضرة أرواحهم الطاهرة. فهؤلاء سيظلون للأبد في ذاكرة كل كوردستاني وكل إنسان ذي وجدان.
يقول سعيد جردو، رئيس اللجنة العليا للمركز الثقافي والاجتماعي في لالش بمناسبة مرور عقد من السنوات على جريمة الهجوم على سنجار إن “هجوم تنظيم داعش على سنجار كان يهدف إلى إبادة الكورد الإزيديين”، مضيفاً أن “كل فرد إزيدي لايزال متأثراً بجريمة الإبادة الجماعية، دون علاج لتلك الجراح”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية