«لالش» رمز صمودهم.. الإيزيديون يواجهون التحديات بالمحبة والتسامح
نينوى – رجاء حميد رشيد/ يتخذ “معبد لالش” المعبد الإيزيدي الشهير، مكانا فوق جبل متوسط الارتفاع، حيث يستغرق الصعود إليه سيرا على الأقدام نحو 15 دقيقة، وما إن يصل الزائر إلى المعبد حتى يجد باحة كبيرة منبسطة صخرية تتوسطها أشجار معمرة وضخمة، تظلله بأغصانها وأوراقها الوارفة.
يتكون المعبد (الذي يشغل 500 متر مربع، ويبعد عن قضاء شيخان في نينوى ستة كلم فقط)، من عدة كهوف على شكل غرف حجرية أو “نياشين” تبلغ 366 غرفة، لترمز إلى عدد أيام السنة وعدد الأولياء والصالحين الذين عاشوا في المعبد منذ آلاف السنين.
لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد الإيزيديين الذين يقطن غالبيتهم في قضاءي سنجار وشيخان، التابعين لمحافظة نينوى، إلا أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن أنهم يبلغون ما يقارب 700 ألف نسمة داخل العراق، ونحو مليون نسمة في أنحاء العالم، فيما تعتبر لغتهم الأم اللغة الكردية أو الكردمانجية، حيث كتبت نصوصهم الدينية بهذه اللغة.
ولقدسية المعبد لابد من نزع الأحذية وارتداء الجوارب، وارتداء النساء لغطاء الرأس قبل الصعود إليه، وعند الدخول لابد من عبور أي دكة موجودة لدى الأبواب والمداخل وعدم دوسها بالأقدام، لأن الملائكة السبعة الحارسة للمكان متواجدة في كل معبد وبيت وغرفة، وعبور الدكة تعني الانحناء احتراما لها، بحسب العقيدة الإيزيدية.
التقاليد المشتركة بين جميع الأديان تراها واضحة من خلال طلبات النذور والأمنيات، التي قد تختلف جزئيا من دين لآخر، ففي إحدى غرف المعبد تنتصب دكة (مرتفع صخري) في ركن مخصص لطلب النذور والأمنيات، يقوم خلالها صاحب الطلب برمي قطعة قماش، فإذا علقت في الدكة أعلى الجدار فإنها بشارة خير، وإذا فشلت المحاولة وسقطت قطعة القماش، فيمكن إعادة المحاولة لثلاث مرات فقط، وبعدها يعرف هل ستتحقق أم لا.
وللتعرف أكثر على العادات والتقاليد الخاصة بالديانة الإيزيدية يقول مسؤول مكتب معبد لالش لقمان سلمان محمود، في حديث لـ”العالم الجديد”: “تعيش في المعبد عائلة تسمى سدنة المعبد، أو متولي المعبد، أو الفقير إلى الله، وتتكون من 12 فرداً واجبها إيقاد القناديل المزيتة (قناديل ذوات فتائل مصنوعة من القطن وتوقد بزيت الزيتون)، وتتم إيقادها عادة قبل غروب الشمس يوميا، وعددها 336 قنديلا بعدد أيام السنة، وذلك لإعادة نور الشمس إلى المعبد، لأن فلسفة الديانة الإيزيدية ترى أن نور الشمس هو نور الله ونور هذه القناديل هو نور الشمس، وبالإضافة لهذه العائلة يعيش في المعبد أيضا ثلاثة أشخاص رجلان يدعيان: بابا جاويش، وبير سعيد، وامرأة تدعى بير سعيد داي فقرا/ داي كاباني”.
ويضيف محمود، أن “المجلس الروحاني الإيزيدي يتكون من أمير الإيزيدية بابا شيخ، ورئيس القوالين ومن شيخي وزير وبيشمام الأمير، وبابا جاوي، وعدد من رجال الدين لإدارة أعمال المعبد الدينية والدنيوية”، لافتا إلى أن “الهرم الإيزيدي يتكون من ثلاثة أشخاص يعيشون في المعبد وهم بابا جاويش، بير سعيد، وداي فقرا/ داى كاباني (وتعني أم البيت والتي تقوم بتحضير الطعام وغسل الملابس وتشارك في المراسيم الدينية، وتنظيف المعبد والاهتمام بالأشجار والمزارات داخله) ويتعاونون جميعهم في تقديم وجبات الطعام لضيوف المعبد، وهم لا يتزوجون، كونهم تاركين ملذات الحياة، ويعيشون حياتهم داخل المعبد حتى وفاتهم، حيث تتم مراسيم دفنهم أيضا داخل المعبد وفي مكان خاص يسمى مزار إيزدي نمير”.
ويردف بأن “الكهف القديم يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من أربعة آلاف عام، وجرار الزيت الموجودة داخله، يقدر عمرها بنفس المدة الزمنية للكهف، والمعبد عبارة عن كهف قديم جدا، لأن تاريخ الديانة الإيزيدية ظهرت على أرض وادي الرافدين (ميزوبوتاميا) قبل أكثر من سبعة آلاف عام”.
كتاب مقدس
“لا يوجد لدى الديانة الإيزيدية أي كتاب، لأن الكتب المقدسة تنزل مع الأنبياء والرسل، والإيزيديون لا يحتاجون إلى نبي، لأن النبي يأتي عندما يخرج الإنسان عن طريق الله فيأتي النبي لتصحيح أخطائه وإعادته إلى الطريق الصحيح، وأن الإيزيديين لم يخرجوا عن طريق الصواب، وما زالوا مستمرين بوجود الله والملائكة السبع وعدم الاعتداء على الديانات الأخرى أو الإساءة إليها، فهم مسالمون جدا” على حد تعبيره.
أما بالنسبة للمراسيم الدينية، فيؤكد مسؤول مكتب معبد لالش، أن “تعاليمهم مخزونة في صدورهم وتنقل شفاها، ليتوارثها الأبناء عن الأجداد والآباء”، منوها إلى أهمية الرقم سبعة، كونه “مقدسا لوجود سبعة ملائكة، حيث لدينا نصوص دينية تقول إن الله خلق سبعة ملائكة من نوره”.
ويتابع “كانت لدى الإيزيدية بعض الكتب الدينية وليست مقدسة، لأنها ليست منزلة من الله، وتضم النصوص الدينية ويسمى الكتاب مصحف فارش، وكتاب آخر بعنوان الجلوة، ولكن للأسف ضاع هذان الكتابان عند تعرض الإيزيديين للإبادة مثلما ضاعت صور آل شنكار في عام 2014 عند تعرضهم لهجمات داعش الإرهابي، وخسروا كل شيء.
منهاج ديني
وبخصوص المنهاج الديني المقابل لـ”الإسلامية” في المدارس، يقول محمود، “لدينا منهاج خاص يدرس في كل المراحل الدراسية، مع الإسلامية والمسيحية، ويتضمن تعاليم الديانة الإيزيدية منها عبادة الله، والأخلاق والأخوة والتسامح واحترام الآخر والتعايش السلمي ونبذ كل أنواع العنف والكراهية والمحبة والسلام، فالإيزيديون يدعون في صلاتهم عندما يتوجهون باتجاه نور الشمس بهذا الدعاء “يا الله حقق أمنيات كل الناس ثم لي”، ولدينا نص ديني يقول “إذا صادفت إنسانا محتاجا وساعدته فلا تسأل عن ديانته”.
الإيزيديون لا يعبدون الشيطان
الإيزيديون يعبدون الله، وأما كلمة الشيطان فهي غير موجودة في أي نص ديني، ولا توجد معه أي علاقة، وكلمة (تاووس- طاووس) عند الإيزيدية تعني نور الشمس (تاو) شمس (وس) نور، كما لا يوجد أي نص ديني عن الشيطان لدى الإيزيديين، سوى ما كان يواجه به الإيزيديون عند ذهابهم إلى مدينة الموصل للتسوق، فكان يشار إليهم بأنهم “شياطين”، مما ترك أثرا مؤلما في نفوسهم، وباتوا يكرهون هذه الكلمة، خصوصا كبار السن منهم.
تقاليد الزواج
وحول تقاليد الزواج عند أتباع الديانة الإيزيدية، تقول رفاه حسن، الناشطة المدنية في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الطقوس هي ذاتها لدى الطوائف والديانات الأخرى في العراق، فبعد أن يتم الاتفاق بين أهل العروسين يحدد مهر العروس بنحو 70 غراما من الذهب، وتسلم إلى والد العروس، ويتم عقد القران في المحاكم الرسمية، ولا يوجد لدينا عقد خارج المحكمة”.
وتردف حسن، “عند زواج الفتاة وانتقالها إلى بيت الزوجية، فعلى العروس أن تقبل عتبة البيت أو حائطه، لكونها غيرت بيت إقامتها، وعليها أن تقوم بذلك احتراما للملائكة السبعة التي تحرس المنزل”.
وتضيف “في يوم الزواج، تعمل النساء كبة سماق، وهي نوع من أنواع الكبة، لا يعرفها إلا أهل بعشيقة، حيث يتم توزيعها على الجيران، مصحوبة بأنغام الأغاني”، لافتة إلى أن “تزايد الوعي أثر في انخفاض نسبة الزواج من الأقارب وبنات العم إلى ما يقارب 10 بالمئة”.
وتردف “نحن شعب يحب الحياة، فالحزن لا يستمر لدينا على مدار السنة، فلدينا احتفالات دينية تتضمن دبكات وموسيقى خاصة معروفة لدينا،
ونحن نلبس الألوان ونبتهج، وهذا ماجعلنا نتمسك بالحياة، فالطبيعة من حولنا جعلت منا شعبا مرحا يحب الحياة”.
في إشارة إلى ما مر بالإيزيديين من عذابات على أيدي تنظيم داعش الذي هاجم قراهم وقصباتهم، وقتل الرجال وخطف النساء، خلال احتلاله محافظة نينوى في العام 2014.
وتشير رفاه حسن، بالقول، إن الديانة الإيزيدية ديانة مغلقة ولديها ثلاث طبقات دينية، هي: طبقة البير، وطبقة المريد، وطبقة الشيخ، إذ يكون الزواج داخل كل طبقة حصرا، ولا يجوز بين طبقة وأخرى، كما لا يمكن الزواج من الديانات الأخرى، لأن الله في فلسفتنا خلق كل إنسان من ديانة معينة، فلا يجوز لنا أن نغير ذلك”.
يتم تعميد المولود الجديد في معبد لالش، حيث يقوم سادن المعبد برش الماء على وجه الطفل وتسمى: العين البيضاء، ويقوم بدعاء رب العالمين بأن يبارك المولود ليكون إنسانا صالحا مسالما مجتهدا، وعند انتهاء هذه المراسيم يقوم أهل المولود برمي الحلويات المغلفة (الشوكولات) فوق الرؤوس تعبيرا عن الفرح، وبمشاركة الأهل والأقرباء والأصدقاء، كما تشرح.
مراسيم العزاء ودفن الموتى
ولا تختلف مراسيم العزاء ودفن الموتى لدى الإيزيديين كثيرا عن طقوس الديانات الأخرى، حيث يقوم رجال الدين بتغسيل الميت وبعد أداء المراسيم الدينية وقراءة رجال الدين لنصوص معينة للمتوفى يرددون، أن “الإنسان جاء للحياة كطيف وخلق من تراب ويرجع مرة ثانية إلى التراب” ويذكرون أسماء الأولياء والصالحين الذي عاشوا وغادروا الحياة لان الدنيا فانية والبقاء لله وحده، كما يقول مسؤول مكتب معبد لالش.
ويسترسل بالقول “يجب دفن الميت وقت شروق الشمس ولغاية غروبها ولا يجوز الدفن بعد الغروب ويؤجل إلى اليوم الثاني، ثم يتم توزيع الحلوى (التمر أو التين أو الزبيب) على روح الفقيد ولسبعة ليال، وتقام مجالس العزاء لسبعة أيام، ولهذه المناسبة طبخات خاصة تشمل: البرغل، أو الرز، أو الكشكي أو المطقوقة، أو الحبية، فضلا عن الذبائح، تليها أربعينية الفقيد والذكرى السنوية مع ارتداء ملابس الحداد السوداء بصورة عامة، أما النساء الكبيرات في السن، فيلبسن اللون الأبيض في الحداد (لأنه لون رحمة وصفاء)، وإذا كان المتوفي شابا أو شابة، فتعزف تراتيل خاصة ويتم وضع أشيائه العزيزة في كفيه، وعند وفاة الزوج يجوز للزوجة الزواج من آخر على أن تغادر مكان سكنها ومنطقتها، احتراما لوالدي الزوج، أما بالنسبة للزوج، فيجوز أن يتزوج داخل المنطقة أو خارجها ولكن على الأغلب يغير منطقة سكنه احتراما لوالدي الزوجة المتوفاة، ونادرا ما تتزوج الأرملة من لديها أطفال بعد وفاة زوجها”.
وفي هذا الإطار، تقول الناشطة رفاه حسن، إن “الميت لدينا يلف مثل باقي الأديان بملابس بيضاء، كما يجب غسله من قبل رجال الدين هنا، ولا يدفن الميت بعد غروب الشمس”، مشيرة إلى “تراتيل دينية خاصة من قبل رجال الدين هنا لمدة ثلاثة أيام، يتم خلالها طبخ الأكلات الخاصة وتوزيع الحلوى، فيما يتم استقبال المعزين لمدة 10 أيام تقريبا”.
وتنوه الناشطة المدنية، إلى أن “النساء هنا يصنعن حلاوة الخضر، أو خضر الياس عليه السلام، والذي تحتفل به كافة الأديان في العراق، حيث نسميه نحن خدر الياس، ومكونات هذه الحلوى هي من الطحين المقلي مع السمسم والدبس والهيل وبعض المكسرات”.
حضور المرأة
حققت المرأة حضورا طاغيا في السنوات الأخيرة، بعد بروز نائبات في البرلمان، وطبيبات وناشطات وأكاديميات، في تحول كبير عن العقود الماضية، فقد كانت المرأة في الديانة الإيزيدية لا تورث، وتحصر الإرث بالرجال فقط، حيث كان المجتمع عشائريا وذكوريا في عدد من القرى والأرياف، ولكن التحولات الحديثة غيرت مفاهيمه، وبات أكثر انفتاحا وتحضرا، كما تقول، لافتة إلى “دور المرأة القيادي في ثلاثينات القرن المنصرم، حيث كانت لدينا أميرة إيزيدية تدعى: مها خاتون، أصبحت رئيسة الإمارة”.
الأعياد
تقول سارة عبو شمو، الناشطة الإيزيدية، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أعيادنا ثابتة في تواريخها، يعني لا تقديم ولا تأخير في العيد، وكل عيد له دلالة على حدث معين أو عادات وتقاليد خاصة بالمجتمع، فعيد رأس السنة مثلا نعتقد بأنه تغيير وتجديد، لذا نقوم بتلوين البيضة التي تدل على كروية الأرض”.
وتشير شمو، إلى أن الأعياد تنقسم إلى أربعة:
العيد الأول: عيد رأس السنة الإيزيدية، وهو يوم الخليقة، أو يوم تكوين الأرض، ويصادف في أول أربعاء من نيسان كل عام حسب التقويم الشرقي، ومن طقوسه سلق البيض وتلوينه بألوان الطبيعة، حيث يحرم الزواج في هذا العيد، والحراثة لأن النباتات تنمو في هذا الشهر، فلا يجوز قطعها احتراما للطبيعة.
العيد الثاني: عيد أربعينية الصيف ويبدأ من يوم 24 حزيران يونيو، وينتهي في الثاني من آب أغسطس، ويستمر أربعين يوما، حيث تكون حرارة الجو في ذروتها، ويصوم رجال الدين وعامة الناس من شروق الشمس وحتى غروبها من خلال الامتناع عن الطعام والشراب والكلام والاستماع للأشياء البذيئة والغيبة والنميمة، وبعدها يأتي عيد الأربعينية لثلاثة أيام (31 تموز يوليو، 1-2 آب أغسطس).
العيد الثالث: عيد الجماعية، ويصادف 7 ولغاية 13 تشرين الأول أكتوبر أي لمدة سبعة أيام، حيث يزور معبد لالش فيه أكثر من 200 ألف إيزيدي من مختلف دول العالم لتأدية مراسيم العيد، ومن أهمها ذبح الذبائح كقرابين إلى الله، لانتهاء موسم الخريف وبداية موسم الشتاء، والدعاء إلى الله بنزول المطر والثلج ليكون موسم خير وبركة لأن أغلب القرى التابعة للمنطقة قرى فلاحيه وتعتمد في معيشتها على مهنة الزراعة.
العيد الرابع: عيد أربعينية الشتاء ويصادف من 24 كانون الأول ديسمبر وينتهي يوم 2 شباط فبراير، حيث تشهد هذه الأيام انخفاضا في درجات الحرارة، وتكون الأكثر برودة في السنة، يصوم فيها رجال الدين ومن يريد من عامة الناس، حيث يستمر أيضا لمدة ثلاثة أيام (16,17,18) من شهر آذار في التقويم الشرقي، وبحضور رجال الدين يقوم الناس بجمع الحطب من الأشجار المكسورة والمحترقة واليابسة ومن التلال المحيطة بالمعبد وتستمر هذه المراسيم طيلة أيام العيد، بعدها يحرم قطع الأشجار لأن للشجرة روحا مثل الإنسان.
وهناك مراسيم أخرى في شهر نيسان الشرقي الذي يتأخر عن نيسان الغربي بـ13 يوما، وهنا يقوم الإيزيديون خلال شهر كامل ابتداء من أول نيسان ولغاية أول أيار بزيارة معبد لالش لتأدية مراسيم عبادة خاصة، حيث تختار كل قرية يوما محددا للذهاب إلى المعبد لتقديم النذور مثل (العجول والخرفان) حسب إمكانيات كل القرية حاملين معهم اللبن، وخبز الرقاق (أرغفة على شكل أقراص خفيفة جدا ومقرمشة) للتبرك وتقديمها لزوار المعبد وسدنته.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية