مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)
إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري
الحلقة (26) و (27)
عُمى عفدال زينكي
(( في هذا السياق يتحدث يشار كمال في القسم الثاني من ثلاثيته تحت أسم (زةوى ئاسن وئاسمان مس) ، مستندا فيها إلى (كاريته) فالأناضول قد عاش فيه منذ القدم الكرد،وكل شعوب الأناضول ليست أقدم من الكرد.
يشار كمال يؤكد بأن الكرد كانوا معلمي الشعوب القادمة إلى الأناضول كضيوف عليهم على مدارالتاريخ كله. عاشق كجل هو أحد المغنيين، الذين كسبوا فنهم كله من عفدال زينكي. وحسب يشار كمال فأن الفنون القديمة كلها جاءت من الشعب الكردي والشعوب الكردستانية، الذي سكن القسم الأكبر منه في الأناضول، الصيد، العمل،عزف الجيتار،الغناء، سرد الملاحم، الدفاع والعيش بسلام، والصدق،الحرية والجرأة في قول الحق، وتحدي الظالمين، والضيافة.. إلخ. في البداية من المعلمين الكرد وبعدها أنتشرت بين الشعوب الأخرى. – شكور مصطفى -)).
بعد برهة من الحديث قالت العمة أمي:
– أحمد، يا بني هل ترغب بأن أسرد لك قصة عفدال زينكي أيضا. فعندما تكبرون ستقولها لأولادك. فأنا أدعوا بأن لا يرى أسلافنا خيرا، لأنهم لم يعلمونا القراءة والكتابة، كي نكتب ما نريده، وليبقى حيا ولا يموت.- لقد نظرت الي وأبتسمت رغم محاولتها أخفاء ابتسامتها – حظي التعيس، لا يوجد من يكتب لي رسالة إلى الولد في العسكرية، فبقى أن يكتبها صاحب الطريقة.
سأسردها لك يا بني، عفدال زينكي كان مغنيا، وقد غنى على الفرسان والجرحى مرحلة بعد أخرى، حتى وصلوا، الرياح السامة كانت قد ضربت عفدال أيضا، ولم يمت من المرض، لكنه لم يبصر من بعينيه بعد ذلك.
في يوم ما، يمسك بعض من العاملين في الحقول طائر مالك الحزين مكسور الجناح، ويأتون به إلى القرية، عفدال يترجى من العمال: “أعطوني هذا الطائر، فهو مثلي جريح، أعطوني أياه فسوف أضمد جناحه المكسور، من الممكن أن يتحسن، ويطير ليصل لرفاقه، وان لا يصبح مثلي منقطعا عن سربه إلى الأبد.
العمال يتعاطفون مع عفدال ويقولون له: “تفضل، إنه لك يا عمنا عفدال”.
عفدال يأتي بالمالك الحزين، ويجبر جناحه المكسور، وفي وقت قصير يتعافى الطائر، ويتعود على عفدال ويصبحان صديقان.
قدم الربيع، تفتح وجه الأرض، الطيور تهاجر من سرحد في الشتاء إلى المناطق الدافئة، بعدما يمضي فصل الشتاء في تلك السهول الدافئة تبدأ بالعودة إلى بلاد سرحد، كي تقوم مرة أخرى بالتجول في سهوب المصايف وتتغذى على زهرة السوسن وأنواع أخرى طيبة من الورود الجميلة، وكذلك تبحث عن بحيرات المياه الباردة، فتبني على أطرافها الأعشاش حتى شهر أيلول، فتفقس البيوض وتخرج الفراخ، وفي فصل الخريف تتجه مع فراخها إلى المناطق الدافئة.
عفدال كان ينتظر أسراب طيور مالك الحزين، لأنه قد عاهد على شفاء جناح الطائر وإعادته لسربه بين رفاقه. “فأنا بقيت متأخرا، ولذلك لا يجوز أن يبقى الطائر مثلي، عليه أن يصل إلى رفاقه”، – هكذا كان يتحدث عفدال.
وكان ينتظر بفارغ الصبر وصول سرب مالك الحزين وكي يسمع أصواتهم الحنينة.
ذلك اليوم الذي أنتظره عفدال ها قد جاء، لقد سمع قرقرة طيور مالك الحزين، مروا فوق القرية، رقابهما كانت طويلة، ويندفع من أجنحتهما الكبيرة صوت تضاربها مع الرياح، لقد مروا من القرية وأخذوا مكانهم في مراعي خلف القرية، وكان باديا للعيان بأنهم قادمون من بلاد بعيدة، وعند المرور من القرية وكأنهم كانوا يقولون بقرقرتهم “سلامنا العذب لكم، لقد جئنا مرة أخرى لمصايفكم، وسنودعكم في الخريف”.
في تلك الليلة لم ينم عفدال، كان ينتظر ضوء النهار، كي يأخذه طيره ويدعه بين سربه، ويصل إلى رفاقه. في الصباح عفدال مع بعض من شباب القرية، والكثير من الأطفال ذهبوا إلى منطقة مرعى المعشب، وعندما رأوا نسل مالك الحزين، أعطوا الطائر لشاب خفيف الحركة، وأخذ الطائر ودفعه نحو أبناء جلدته، وعندما دخل عليهم الطائر الجديد اجتمعت عليه الطيور الأخرى وبدؤوا بضربه بالمناقير، وإن لم يتمكن الطائر من الفرار، والعودة إلى البشر، لكان موته مؤكدا.
عفدال عندما سمع بذلك، قال: “جيبوه، جيبوه (اتوه)، من الواضح بأنهم يقدمونه لي، ليبقى لي رفيقا”.
وهكذا تعود عفدال ومالك الحزين على البعض، ولم يكن يتحمل أحدهم لفراق الأخر، وكل ليلة يتأخر فيها عفدال كان الطائر يصرخ بقرقرة عالية، طبعا كان يطلب منه أن يغني له، عفدال كان قد غني عن نفسه كثيرا، ومن تلك الأغاني سوف أخبرك أثنتين منها.
كان عفدال يردد الأغنية والطائر يقرقر معه، تأويلة للأغنية.
((قةمةكىَ ل سةرىَ عةبدوللا بةطىَ دانة
ضاوا كةسةك تونةية جابةكىَ ببة ئيَلا زيلا مالا خالىَ
(ئةز عةظدالم، ئةز عةظدالم)
ذ بؤنا طؤتنيَد قؤمسى و نةماما
ذ جةطةرىَ بريندارم
ئةزىَ ثرس و ثسيارا بكةم
كىَ هةرة تبليسا خودىَ ئاظا كرى سةر حةكيما
ذ بؤنا نوقسانيا هةردوو ضاظا ئةز هةظالم
قولنطؤ مال خرابؤ، ظىَ بةربانطىتة سةر مندا ضما ها قيرينة؟
مالخرابوو، ضةعظيَن من كؤرن، قاناتىَ تى شكةستينة
وةرة ئةمىَ هةرن خؤ ثاظيَذنة سةر ئوجاغا شيَخ شةمدينة
بةلكى خودىَ ضاعظىَ من ساخكة، قاناتىَ تة بجةبرينة
هةيلا وايىَ، هةيلا وايىَ
فةلةكة خاينة، ب عةظدالىَ زةينىَ
طولا طؤظةندارا نايىَ)).
“ضربوا بالقم على رأس عبد الله بك، فكيف لا يوجد من يقوم بإيصال الخبر لعشيرة الزيلان بيت الأخوال
– أنا عفدال، أنا عفدال
من كلام القومسي والنمام
جريح من الكبد
سأسأل الأسئلة الكثيرة
من سيذهب إلى تبليس التي بناها الله فوق الحكماء
فمن أجل النقص في بصري من العينين أنا رفيق
– يا أيها المالك الحزين، يا صاحب الدار المهدمة، لما تقرقر فوقي منذ الشفق؟
يا ذا الدار المهدمة، عيوني لا تبصر، وجناحك مكسور
تعال لنذهب ونترجى على سلالة الشيخ شمدين
من الممكن أن يشفي الله عيوني، ويتعافى جناحك
هيلا وايى، هيلا وايى
القدر خائن مع عفدال زينة
لا يأتي لنجدة زهرة دبكة الأعراس”.
تمضي سبعة سنوات على حالة عفدال هذه، ولم يجد الأطباء الكثر أي دواء لحالته، وفي ليلة يقرقر الطائر، عفدال يقوم كالعادة ليغني، وأثناء الغناء يرى النافذة، يفرك عينيه، يظن بأنه يرى الشوائب، ومرة أخرى ينظر، ولم يعد يرى الشباك فحسب بل يرَ النجوم في السماء أيضا، فيصيح على أولاده النائمين، ويقول لهم: “أبشركم، قوموا من النوم، لقد عدت بصيراً “.
ولكن لا أحد يصدق، فيشعلون القنديل، عفدال يقول: “أنتم لا تصدقون؟ أها، فملابس فلان بهذا اللون والأخر باللون الفلاني، وأن كنتم لا تصدقون احضروا بالخيط والإبرة، وسأدخل الخيط في ثقب الإبرة”.
وهكذا يا بني ربنا قد رحم هذا العبد مرة أخرى.. الله في كل المصائب يرحم المرء، وأتمنى أن يرحم ولدي إبراهيم بهذا الشكل.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية