أرقام مذهلة عن الأمازون المكتظة بأكثر من 390 مليار شجرة
كثيرون من الناس، منهم أنا الذي عشت 20 سنة في البرازيل، لا يعلمون عن غابات الأمازون إلا اسمها وأين تقع، وبأنها الأكبر في العالم، إضافة إلى بعض البديهيات.
أما الباقي، وتعد “العربية.نت” تقريرا عنه الآن، فمعظمه مجهول، مع أنه المهم والساحر والمذهل، إلى درجة أن من يلم ببعضه، سيكتشف أن أشجار تلك الغابات المقتطعة 5 ملايين و500 ألف كيلومتر مربع من 8 دول تحيط بها في أميركا الجنوبية، مفيدة للأرض ومن عليها أكثر بكثير من بعض سكانها الممعنين منذ زمن في انتهاكها واقتطاع أشجارها، حتى أصبحت “رئة العالم” التي نسمع عن أزمة حرائقها هذه الأيام، مهددة وتكاد تموت، إن لم يتم إنقاذها مما هي فيه.
الغابات المكتظة بأكثر من 390 مليار شجرة حاليا، هي أكبر ينابيع لما يسمونه “الأنهار الطائرة” والطائرة فعلا لا بالمجاز، وفق تقرير صدر منذ عامين عن Instituto Nacional de Pesquisas da Amazônia أو “المعهد الوطني للأبحاث عن الأمازون” بالبرازيل، وفيه عن “النهر الطائر” أنه تيار من الهواء مشبع ببخار الماء، الناتج عما يسمونه Evapotranspiration أو الطفح التبخيري، المحوّل للماء المتولد من الأشجار بحوض الأمازون إلى بخار بفعل الحرارة، فيجري بخار الماء كما النهر بالجو، إلى أن تتوالد فيه شحنات كهربية ويسقط مطرا يلبي حاجات معظم أميركا الجنوبية.
يشرح التقرير عن “الطفح التبخيري” بأن الشجرة البالغ قطر هامتها أو قبتها، حوالي 10 أمتار مثلا “تضخ في الجو أكثر من 300 ليتر بخار ماء يوميا، وإذا كان قطرها 20 فإنها تضخ 1000 ليتر”، وهذا الضخ الهائل واليومي من مليارات الأشجار، يؤلف السحاب الحامل المطر للزرع وللينابيع والأنهر والبحيرات والأحواض والسدود المنتجة للطاقة وغيرها. كما أن الغابات، التي نرى فيديو عنها يشمل نهرها الشهير، تختزن 90 إلى 140 مليار طن متري من المواد الكربونية، المساعدة على توازن المناخ في العالم كله، لأنها تمثل وحدها 10% من حجم “الكتلة الحية” على سطح الأرض، وهي الكتلة المعروف باسم Biomass إنجليزيا.
الفراشة التي تشرب دموع السلاحف
قلة تعرف أيضا، أن الأنواع والعناصر الحية في غابات الأمازون، مما يدبّ ويهبّ ويتبرعم ويغوص، أي أشجار ونباتات وحيوانات وطيور وحشرات وكائنات في الماء، هي مصدر كبير لصناعات حيوية بالعالم، أهمها مواد غذائية وللتجميل والأدوية، ففيها 10 آلاف نوع من النبات الصالح بعضه لإنتاج المضادات المكافحة للآفات، منها نبتة يسمونها Unha de Gato في البرازيل، أو “مخلب القط” لشبه أوراقها به “تساعد فعلا بعلاج التهابات المفاصل، وتقلل من التعب، وتؤخر إلى حد ما احتدام السرطان لدى المتقدمين بالسن” وفق الوارد بخبر قرأته “العربية.نت” عنها بصحيفة O Globo البرازيلية يوم الخميس، وقالت فيه إن تقريرا صدر عن كلية الطب بجامعة سان باولو، أشار في 2017 إلى ما ظهر من نتائج إيجابية بشأنها بعد إجراء تجارب علمية متنوعة عليها. كما في الغابات فراشات غريبة “تشرب دموع سلاحف” معروف نوعها للعلماء باسم Podocnemis unifilis المنتمي لفصيلة الطفاشيات ذوات النقط الصفراء.
ويخرج من الغابات إلى العالم الكثير من المواد الغذائية الحرشية، وأهمها الفواكه الاستوائية المتنوعة والبالميتو والأدوية العشبية ومستحضرات التجميل النباتية الطبيعية، كما والجلود على أنواعها والخشب المستخرج من أشجار مسموح قطعها والحرف اليدوية والأحجار النادرة والزيوت وخشب الورد المستخرج منه جوهر العطور، إضافة إلى أنواع عدة من الزيوت والمطاط الطبيعي لبعض الصناعات، كما وانزيمات جذوع الأشجار، إلى جانب معظم ما يحتاجه علماء عدد كبير من العلوم لأبحاثهم وتجاربهم من مواد خام. إلا أن أهم ما يخرج من تلك الغابات، الأكبر بمليون كيلومتر مربع من مساحة دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، هو طفح يجدد 20% من الأوكسيجين بجو الأرض، وهذه وحدها تكفي.
لكل إنسان 50 شجرة بالأمازون
في غابات الأمازون أكثر من مليونين و500 ألف نوع من الحشرات، إضافة إلى 2200 نوع من الأسماك وحيوانات المياه العذبة، كما و420 نوعا من الثدييات، والعدد نفسه من البرمائيات، مع 120 نوعا من العصافير، و370 من الزواحف. كما فيها 4 مليارات شجرة من 16 ألف نوع مختلف. ودلت بعض المؤشرات والأبحاث الأثرية والعلمية عموما، أن الإنسان وصل إلى تلك الغابات منذ 11 ألفا و200 سنة تقريبا، وأنها بدأت بالظهور منذ 55 مليون عام، وأن رمالا تهب عليها مع الهواء من صحاري إفريقيا، فتغذي ما فيها من معادن وتساعد على مزيد من التخصيب في الغابات المحتلة معظم “حوض الأمازون” البالغة مساحته 6 ملايين و300 ألف كيلومتر مربع، أي 35.5 % من مساحة أميركا الجنوبية، حيث نسبة 60% هي أراض تابعة للبرازيل، تليها 13% للبيرو، ثم 10% لكولومبيا، ونسب أقل لفنزويلا والإكوادور وبوليفيا وغيانا وسورينام، إضافة إلى “غيانا الفرنسية” التابعة كمحمية وراء البحار لفرنسا. إلا أن كل إنسان على الأرض يمكنه أن يقول إن له 50 شجرة في الغابات على الأقل.
الاسم أطلقه المستكشف الإسباني Francisco de Orellana بعد أن قاتل إحدى قبائل المنطقة حين وصل إليها، ولاحظ أن نساءها يشاركن رجالها بالقتال، فتذكر أسطورة يونانية تتحدث عن Amazons أو “أمازونيات” مقاتلات، ولإحداهن تمثال حاليا في متحف Capitoline بروما، فسمى النهر “أمازون” الذي شمل فيما بعد الغابات التي لا تزال تعيش فيها 60 قبيلة بعزلة تامة عن العالم الخارجي. ثم أراد اكتشاف مصب النهر، فتتبعه حتى عثر عليه في نوفمبر 1546 عند المحيط الأطلسي، وهناك انقلبت سفينته وتعرض في الوقت نفسه لهجوم بسهام مسمومة، شنته قبيلة محلية، فقضى قتيلا بعمر 35 سنة قرب “الأمازون” الأكثر غزارة بالماء في العالم، والثاني طولا بعد النيل، وفق ما قرأت “العربية.نت” بسيرة النهر الذي تمكن إنسان واحد من قطعه سباحة، هو السلوفيني Martin Strel البالغ 55 حاليا، والوارد اسمه بكتاب “غينيس” للأرقام القياسية، فقد بدأ في أول فبراير 2007 وبعد 66 يوما انتهى في 7 إبريل من قطع 5268 كيلومترا.
ونعود إلى الغابات وواقعها المرير في هذه الأيام التي تشهد فيه حرائق عملاقة، إلى درجة أن نهار مدينة سان باولو تحول إلى ليل دامس في الثالثة بعد ظهر الاثنين الماضي، لأن دخان الحرائق المستمرة منذ شهر قطع آلاف الكيلومترات ووصل إليها وإلى غيرها، بحسب ما نرى في الفيديو المرفق عن نيران بدأت تشعل أزمة عالمية الطراز على البرازيل التي دعت فنلندا دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم استيراد اللحوم منها حتى تنتهي من إخماد النار. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيقود منذ أسبوع حملة ضغط دولية على نظيره البرازيلي جايير بولسونارو، ويهدده بإلغاء اتفاقيات ومشاريع حيوية للبرازيل، وهو ما حمل بولسونارو على تكليف الجيش بالمضي إلى الغابات لإخماد بؤر قالت وكالة NASA الخميس الماضي إن عددها 39300 بؤرة تلتهم مئات الأشجار كل دقيقة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية