سنّة العراق والدولة: فرصة كبرى أو خسارة فادحة
بغداد، واشنطن/اور نيوز: قالت مجموعة الازمات الدولية ان أمام حكومة العراق والمجالس المحلية في كل من الأنبار، ونينوى، وصلاح الدين، وديالى، مهام لا بد منها، لوقف تصاعد العنف على المدى القصير.
ومن اهم المهام التي عرضتها توصيات دراسة متخصصة للمجموعة عن تردي الوضع الامني في العراق هي: التفاوض على عمليات وقف إطلاق نار محليّة تشتمل على ضبط النفس من قبل قوات الحكومة والتعاون من قبل السلطات المحلية، والسعي لتأسيس هيكليات مشتركة للقيادة والتنسيق يشارك فيها الجيش الاتحادي والقوات المحلية (وحدات الشرطة والصحوات)، بهدف جعل الصراع ضد الدولة الإسلامية في العراق التابعة للقاعدة أولوية، وضمان عدم عبور أي مقاتلين عراقيين، سواء كانوا سُنَّة أو شيعة، إلى سوريا، وإجراء عمليات تحقيق مشتركة في عمليات القتل في الفلوجة، والموصل والحويجة.
اما على مستوى المهام بعيدة المدى، فقد قالت الدراسة ان على الحكومة تخفيف حدة التوترات المذهبية من خلال تخفيف الإجراءات الأمنية، بشكل أحادي أو في سياق عمليات وقف إطلاق النار التي يتم التفاوض عليها، وتقديم مزايا وفرص متساوية للقبائل الشمالية والجنوبية، وإطلاق حوار وطني للاتفاق على إصلاح قانون المساءلة والعدالة، وتوضيح دور ومسؤوليات وزراء الدفاع، والداخلية والعدل في الإجراءات المتعلقة باحتجاز واعتقال ومحاكمة الأفراد الذين يتم اعتقالهم تطبيقاً لقانون مكافحة الإرهاب، والإحجام عن إطلاق تصريحات مذهبية تحريضية، والسعي إلى عزل العراق عن الصراع في سوريا من خلال الامتناع عن إطلاق أي تصريح يلمح إلى دعم أي طرف في الصراع؛ ومنع المقاتلين، سواء كانوا سُنّة أو شيعة من العبور إلى سوريا، خصوصاً من خلال التعاون مع اللاعبين المحليين في الأنبار ونينوى (القبائل والمسؤولون المحليون)؛ وقوات الأمن المعيّنة محلياً (مثل الشرطة والصحوات)؛ وحكومة إقليم كردستان.
وثمة توصيات أيضاً إلى الزعماء السُنّة المحليّين والوطنيين، بضرورة الامتناع عن التحريض على الصراع المسلح أو الدعوة إلى تأسيس إقليم فدرالي سُنّي، كما دعت المجموعة قادة الصحوات بإعادة تأسيس قوة صحوة واحدة تحت قيادة موحّدة يمكنها تقديم مجموعة واضحة من المطالب للحكومة. والتعاون مع قوات الحكومة الاتحادية سواء في تأمين المحافظات ضد الدولة الإسلامية في العراق أو تأمين الحدود مع سوريا.
وترى مجموعة الازمات الدولية ان أمام الوقف السُنِّي، وجمعيات رجال الدين ورجال الدين البارزين، مهام أيضاً، وأهمها التفاوض مع الحكومة المركزية على مطالب محددة (وجود قوات الأمن؛ رواتب رجال الدين، تمويل المدارس الدينية)، والإدانة العلنية للعنف والامتناع عن الدعوات لتأسيس إقليم سُنّي.
وبحسب الدراسة، لا تزال مسألة مشاركة العرب السُنّة في النظام السياسي العراقي الذي طغى على العملية الانتقالية منذ بدايتها حادة وانفجارية كما كانت دائماً. أفراد الطائفة الذين سرعان ما همشتهم المحاصصة العرقية ـ الطائفية التي حشرتهم في خانة الأقلية في نظام يهيمن عليه الشيعة والأكراد، رفضوا التوزيع الجديد للحصص في البداية ومن ثم حاربوه.
ونظراً إلى تحوّلهم التدريجي من التمرد إلى الانخراط السياسي المتردد، فإن رهان سُنّة العراق لم يحقق لهم سوى تمثيل رمزي، بينما عزز مشاعر الظلم والتمييز لديهم. اليوم، مع وصول إحباطهم إلى درجة الغليان، ووصول الاستقطاب السُنِّي- الشيعي في المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة، ومع الارتفاع الكبير في عدد التفجيرات الناتجة عن السيارات المفخخة في سائر أنحاء البلاد منذ بداية شهر رمضان في تموز الماضي، فإن العودة إلى حرب أهلية مذهبية باتت تمثل خطراً جدياً.
ولتجنب هذا المآل، على الحكومة أن تتفاوض على عمليات وقف إطلاق نار محلية مع المسؤولين السُنّة، وإيجاد السُبُل لإدماج العرب السُنّة بطريقة أكثر عدالة في العملية السياسية والتعاون مع اللاعبين المحليين لبناء نظام أمني فعّال على طول الحدود مع سوريا.
وتقول الدراسة ان للأزمة جذور عميقة؛ فطوال فترة وجوده في منصبه، نفّذ رئيس الوزراء نوري المالكي استراتيجية فرِّق تَسُد، أدت إلى تحييد أي قيادة عربية سُنيّة ذات مصداقية. كما أن السلطات اتخذت خطوات تعزز التصورات بوجود أجندة مذهبية، كتهميش سياسيين بارزين ـ معظمهم من السُنّة ـ تطبيقاً لقانون المساءلة والعدالة على أساس ارتباطات مزعومة، وعلى مستويات عليا بحزب البعث السابق.
وانتشرت قوات الأمن الاتحادية بشكل غير متناسب في الأحياء السُنِّية من بغداد، وكذلك في المحافظات التي يسكنها السُنّة (الأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وكركوك وديالى).
القائمة العراقية، الحركة السياسية التي شعر معظم العرب السُنّة بأنها تمثّلهم، تفككت ببطء بسبب الخلافات الداخلية، في الوقت نفسه الذي لجأ فيه المالكي إلى وسائل قانونية، وأيضاً إلى وسائل تقع خارج إطار النظام القضائي لتعزيز قوته.
لقد حفل العام الأخير بالتطورات الأكثر ضرراً في هذا السياق؛ فمع تغذية الأحداث في سوريا لآمالهم بالعودة إلى المشهد السياسي، أطلق العرب السُنّة حركة احتجاجية سلمية غير مسبوقة في أواخر عام 2012 رداً على اعتقال الحراس الشخصيين لرافع العيساوي، العضو البارز في العراقية. كما أنها أخفقت في توفير معالجات للمظالم المتراكمة. بدلاً من ذلك، فإن التظاهرات وعمليات القمع التي أعقبتها فاقمت من الشعور بالإقصاء والاضطهاد في أوساط السُنّة.
اختارت الحكومة في البداية رداً تقنياً يفتقر إلى الجاذبية، وذلك بتشكيلها لجاناً لمعالجة مطالب المحتجين بشكل أحادي، ورفضت المفاوضات المباشرة، وشددت الإجراءات الأمنية في المناطق التي يقطنها السُنّة. فأدت التنازلات المتأخرة والمترددة الى تفاقم انعدام الثقة وعزّزت من قوة الفصائل الأكثر راديكالية.
بعد مأزق استمر أربعة أشهر، تصاعدت الأزمة. في 23 أبريل، داهمت قوات الحكومة مخيّماً للمحتجين في مدينة الحويجة، في محافظة كركوك، فقتلت أكثر من 50 شخصاً وأصابت 110 آخرين. أدى ذلك إلى موجة عنف فاقت في حدّتها أي شيء شهدته البلاد خلال السنوات الخمس الماضية. أعادت الهجمات ضد قوات الأمن، وضد المدنيين – وهو الأكثر إنذاراً بالخطر – إحياء المخاوف من العودة إلى حرب أهلية شاملة.
الدولة الإسلامية في العراق، التي تمثّل التعبير المحلي عن القاعدة، عادت إلى أنشطتها المسلّحة. وقد ردت الميليشيات الشيعية بشن هجمات على السُنّة. من المرجّح أن يؤدي اعتزام الحكومة معالجة قضية سياسية بشكل رئيسي، وهي تمثيل العرب السُنّة في حكومة بغداد، من خلال إجراءات أمنية أكثر تشدّداً إلى تفاقم الوضع.
ونظراً للتقليل من شأن الحراك الشعبي، وشيطنته ووقوعه عرضة لقمع الحكومة المركزية، فإنه يتحوّل بسرعة إلى صراع مسلح. في هذا الصدد، فإن غياب قيادة سُنيّة موحّدة ـ وهو أمر أسهمت فيه سياسات بغداد، وقد يكون نوري المالكي اعتبره ميزة ـ تحوّل إلى عبء خطير. في المواجهة التي باتت تكتسب صبغة مذهبية على نحو متزايد، فإن أنصار الحراك يتطلعون غرباً إلى سوريا بوصفها الحلبة التي يمكن أن يشنوا المعركة فيها على الحكومة العراقية وحلفائها الشيعة، وشرقاً إلى إيران، بوصفها مصدراً لكل مصائبهم.
ونظراً لتعرّضهم لضغوط مكثّفة من القوات الحكومية وتراجع إيمانهم بالحل السياسي، فإن العديد من العرب السُنّة استنتجوا أن خيارهم الواقعي الوحيد يتمثل في صراع عنيف يتخذ على نحو متزايد صبغة مذهبية.
بالمقابل، فإن الحكومة تجد في ذلك فرصة مناسبة لوضع كل المعارضة في خانة المجموعات الطائفية المسلحة التي تتطلب مواجهتها إجراءات أمنية أكثر تشدداً. وفي غياب تحول دراماتيكي في المقاربة، ثمة مخاطرة في انهيار الدولة الهشة في العراق ووقوعها ضحية لمزيج انفجاري يتكون من عيوبها القديمة والمعروفة والتوترات الإقليمية المتنامية.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية