في الذكرى الـ 35 لرحيل مهندس السلام المناضل ادريس بارزاني
يصادف اليوم 31 يناير/ كانون الثاني 2022 ، الذكرى الـ 35 لرحيل المناضل ادريس بارزاني الذي يوصف بمهندس السلام والتعايش والوئام ، حيث عمل خلال فترة نضاله وكفاحه المسلح من اجل وحدة الصف الكوردي ونبذ الخلافات بهدف تحقيق الأهداف العليا للحركة التحررية الكوردستانية.
ففي مثل هذا اليوم 31 يناير/ كانون الثاني قبل 35 عاماً رحل عنا ادريس بارزاني ، ذلك المناضل العتيد المقدام الذي كرس كل حياته من اجل قضية شعبه الكوردي والكوردستاني.
ولد ادريس بارزاني عام 1944 في منطقة بارزان من اسرة كرست كل حياتها وربطت مستقبلها بقضية شعبها الكوردي، وكما تشير المصادر التاريخية فإن هذه الأسرة ومنذ بدايات القرن الماضي سخرت كل امكاناتها وطاقاتها المادية والبشرية من اجل خلاص الأمة الكوردية من الظلم والإضطهاد واصبحت المرجع للكوردايتي والنضال وقبلة المناضلين.
كان ادريس بارزاني يبلغ العامين من عمره عندما توجه والده المناضل والأب الروحي للكورد مصطفى بارزاني ورفاقه الى شرق كوردستان لدعم ومساندة جمهورية كوردستان التي تشكلت في مهاباد. وبعد المؤامرة الدنيئة ضد الجمهورية الكوردية الفتية وهجوم الجيش الإيراني عليها، اضطر بارزاني الأب ورفاقه للتوجه نحو الإتحاد السوفيتي في مسيرتهم التاريخية الشهيرة. فيما عادت الأسر والعوائل البارزانية الى العراق برفقة الأخ الأكبر لمصطفى البارزاني، الشيخ احمد البارزاني حفاظاً على سلامة الأطفال والنساء والشيوخ ، وكان حينها يبلغ ادريس بارزاني الثالثة من عمره، ولدى وصولهم الى العراق ابعدتهم السلطات الى المناطق الجنوبية من البلاد.
في السادسة من عمره دخل ادريس بارزاني المدرسة في مدينة كربلاء التي كانت الأسرة مبعدة اليها ، وكان محروماً من رؤية والده حتى الاطاحة بالحكم الملكي في العراق على يد عبدالكريم قاسم عام 1958، بعدها عاد البارزاني الأب من الإتحاد السوفيتي مع رفاقه ولمت الأسرة شملها من جديد بعد فراق طويل.
وتقول ادبيات الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، ان ادريس بارزاني التحق بالثورة وصفوف البيشمركة منذ بداية اندلاع ثورة ايلول بعد عودة البارزاني الخالد من الإتحاد السوفيتي ونكث عبدالكريم قاسم لتعهداته التي قطعها للبارزاني ، حيث كان ادريس بارزاني احد افراد المجموعات الأولى من البيشمركة التي حملت السلاح للدفاع عن الأرض والأمة وشارك في العديد من الملاحم التي سطرتها قوات البيشمركة حينها.
بعد 9 سنوات من البيشمركايتي والنضال من اجل القضية وفي المؤتمر الثامن للحزب الذي عقد في ناوبردان التابعة لناحية گلالة، انتخب ادريس بارزاني للمرة الأولى عضواً في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني. ومع بداية التفاوض مع الحكومة العراقية من اجل إحلال السلام في كوردستان والعراق اختير ادريس بارزاني وشقيقه مسعود بارزاني لعضوية الوفد المفاوض الذي ضم كلا من الشهيد صالح اليوسفي ودارا توفيق وسامي عبدالرحمن ونافذ جلال ومحمود عثمان، ومن هناك انتقل ادريس بارزاني من الكفاح والنضال المسلح الى النضال السياسي والدبلوماسي من اجل قضية شعبه واستمرت المفاوضات التي كان يشرف عليها البارزاني الخالد حتى توجت بتحقيق الحكم الذاتي لكوردستان العراق بشكل رسمي وتم عقد اتفاقية 11 آذار التي ادخلت الفرحة والسرور الى قلب شعبي كوردستان والعراق على حد سواء . لكن السلطات في بغداد ما كانت سليمة النية حتى انقضت السنوات الأربع التي تم الإتفاق بشأنها لتطبيق الإتفاقية ما ادى بالنتيجة الى اندلاع حرب ومواجهة جديدة والتي تمكنت خلالها الحكومة العراقية من إبرام صفقة خيانية دنيئة مع شاه ايران بوساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين والتي عرفت فيما بعد باتفاقية الجزائر الخيانية ضد ثورة الكورد والتي ادت بالنهاية الى إنهاء الثورة مؤقتاً.
بعد اتفاقية الجزائر الخيانية اضطر ادريس بارزاني الى اللجوء مع اسرته ومجاميع من البيشمركة الى ايران. لكن لم يهدأ لهذا المناضل بال بعد انتكاسة الثورة ولم تخر إرادته ولم يستسلم للقدر، حيث بدأ ومنذ الأيام الأولى لإنتهاء الثورة مع شقيقه مسعود بارزاني بالتحرك والعمل على إعادة التنظيم السياسي والعسكري وتهيئة الأجواء لإعادة بناء التنظيمات الحزبية وقوات البيشمركة واستئناف النشاط الثوري من جديد.
في عام 1979 حدثت تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية وتوازن القوى في المنطقة حيث نجحت الثورة الإسلامية في ايران وفرّ الشاه منها ، وكذلك ثبّت البعث في العراق قواعده واقدامه بالإنقلاب الذي قاده صدام حسين ضد احمد حسن البكر، وبدأ حملة ترحيل القرى الكوردية الحدودية بعمق 30 كيلومتراً ونُقل مواطنوا تلك القرى الى المجمعات القسرية في اطراف المدن وسيطرت القوات العراقية على تلك المناطق.
في تلك الأثناء اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وارادت الحكومة العراقية زرع الخلاف والشقاق في صفوف الأطراف والقوى السياسية الكوردستانية بهدف استنزاف قواهم وتمكنت الى حد ما من تحقيق بعض مآربها وحدث بعض الخلاف بين الأطراف الكوردستانية التي كانت تحمل السلاح بوجه السلطات العراقية. لكن ادريس بارزاني شعر بالخطر الذي يحدق بالثورة فتوجه الى المبادرة بطرح مشروع للسلام بين القوى الكوردستانية والحركة التحررية الكوردستانية واثمرت المبادرة عام 1986 عن وضع الأسس واللبنات الأولى للجبهة الكوردستانية الموحدة والتي اثمرت بدورها عام 1988 عن بناء قوة جديدة على الساحة السياسية الكوردستانية.
يعرف ادريس بارزاني في تاريخ الحركة التحررية الكوردستانية بمهندس السلام الوطني، كما انه الشخصية المعروفة والمرموقة بين اطراف قوى المعارضة العراقية التي كانت على الساحة عموماً، وكان له دوره الفعال والمؤثر في مؤتمر المعارضة الذي عقد في طهران من اجل جمع القوى والعمل على إسقاط النظام في بغداد.
وعلى المستوى الدبلوماسي كان لإدريس بارزاني تجربة ثرة وخاصة في مساعيه من اجل تحقيق السلام والمصالحة بين القوى السياسية وتوحيد كلمة أحزاب المعارضة.
في الحادي والثلاثين من يناير/كانون الثاني من عام 1987 رحل عنا ادريس بارزاني بعد ان الّم به مرض مفاجيء ، وبفقدانه خسرت الحركة التحررية لشعب كوردستان شخصية كبيرة وقيادياً فذاً مقداماً، حيث ووري جثمانه الثرى في قرية هلج التابعة لمنطقة مرگور في محافظة ورمي(أرومية) بشرق كوردستان (كوردستان ايران).
بعد انتفاضة عام 1991 وتحرير القسم الأكبر من اراضي كوردستان العراق (إقليم كوردستان) أعيد جثمان الراحل ادريس بارزاني برفقة جثمان والده والأب الروحي للكورد مصطفى البارزاني الخالد في 6 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1993 الى ارض الوطن ليوارى جثمانهما الثرى في منطقة بارزان موطن الآباء والأجداد وليصبح مثواهما مزاراً ومرقداً يؤمه الآلاف من مواطني كوردستان والأجزاء الأخرى والوفود الأجنبية سنوياً.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية