أطفال “داعش” في السجون.. هل يتم شمولهم بقانون العفو العام؟
في ظل استمرار الصراعات السياسية في العراق، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا السجون، يبرز ملف أطفال “داعش” كواحد من أبرز التحديات الإنسانية والقانونية التي تواجه البلاد، فبعد أن وجدوا أنفسهم في قلب الصراع، يعيش هؤلاء الأطفال أوضاعاً قاسية داخل السجون، بعيداً عن الظروف التي يمكن أن تؤهلهم لأن يكونوا أفضل في المستقبل.
وفي الآونة الآخيرة، طرحت قضية إمكانية شمول هؤلاء الأطفال بقانون العفو العام وسط تساؤلات حول مسؤولية الدولة في حمايتهم وتأهيلهم مع مدى التزام المجتمع الدولي بحقوق الطفل، لذلك يظهر السؤال الأبرز: هل يمكن اعتبار هؤلاء الأطفال مجرمين بالمعنى التقليدي؟ أم أنهم ضحايا لظروف قاهرة تتطلب معاملة خاصة؟ وما هي الآثار المترتبة على إطلاق سراحهم على أمن المجتمع واستقراره؟
وأنهى مجلس النواب العراقي، في (4 آب 2024)، القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام، وسط حديث سياسي عن وجود مخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم “داعش” إلى بنوده.
وتضمن البرنامج الحكومي لحكومة محمد شياع السوداني، اصدار قانون العفو العام والتدقيق الأمني في محافظات المكون السني وإلغاء هيئات أو إيقاف العمل بها كانت تشكل مصدر قلق وأزمة لديهم، وفقاً لرويات النواب السنة.
“مساع لزج أطفال داعش ضمن قانون العفو”
واعتقلت القوات العراقية الآلاف من عناصر تنظيم “داعش” وعائلاتهم بين 2014 و2017 بضمنهم مئات الأجانب من جنسيات مختلفة، إبان تحرير المدن من قبضتهم.
ويقول مصدر سياسي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه، لمنصة “الجبال”، إن “هناك انشقاقاً بين البيتين الشيعي والسني حول مشروع قانون العفو العام كما هو مشاع في وسائل الإعلام”، مبيناً أن “صيغة القانون الحكومية التي وصلت إلى البرلمان لم تعالج القضايا الخلافية كالمخبر السري وإعادة محاكمة السجناء وغيرها”.
ويضيف المصدر، أن “المكون السني والمتمثل بأعضائه في مجلس النواب يطالبون بفقرة إعادة محاكمة جميع السجناء السنة وإعادة دراسة ملفاتهم، خصوصاً أن أغلبهم زج في السجون نتيجة المخبر السري”.
ووفقاً للمصدر، فإن المكون السني يرى أن “أغلب دعاوي الإرهاب بحق السجناء هي كيدية وأغلبهم لا ينتمون إلى داعش وإنما اعتقلوا إبان حرب تحرير المدن وهم لا ينتمون للتنظيم الإرهابي”، في إشارة إلى مساعيهم لإخراجهم من دائرة الإرهاب بينهم أطفال داعش.
وفي تصريح جديد لوزارة العدل العراقية، أكدت وجود 89 طفلاً أجنبياً داخل السجون برفقة أمهاتهم ممن التحقن بعناصر تنظيم “داعش”، مبينة أن “أبرز جنسيات الأطفال هي التركية والسورية والقرغيستانية”.
تعليق نيابي
ورفض مرتضى علي الساعدي، وهو عضو في اللجنة القانونية النيابية الخوض في حديث إمكانية زج ملف أطفال داعش الموجودين في السجون العراقية ضمن قانون العفو العام المزمع تمريره في مجلس النواب خلال الفترة المقبلة.
ويقول الساعدي، في حديث مقتضب لمنصة “الجبال”، إن “اللجنة والبرلمان عموماً لا يقبلون طرح هكذا مواضيع ضمن مشروع قانون العفو العام نهائياً”.
وبحسب آخر تقرير صدر عن الأمم المتحدة في العام 2022، فإن السلطات العراقية احتجزت العام الماضي أكثر من ألف طفل، بعضهم لم يتجاوز عمره تسع سنوات، بتهم تتعلّق بالأمن القومي، لا سيما للاشتباه في صلتهم بتنظيم “داعش”، رغم التراجع الكبير في هجمات التنظيم الإرهابي، بعد أن فقد معظم المناطق التي كان يسيطر عليها منذ أربع سنوات.
وتقدر منظمة “هيومن رايتس ووتش” بحسب تقارير سابقة، عدد الأطفال الذين تحتجزهم السلطات العراقية وحكومة إقليم كوردستان بنحو 1500 طفل بشبهة الانتماء إلى تنظيم “داعش”، بينهم 185 أجنبياً على الأقل، أدينوا بتهم متصلة بالإرهاب.
“الحكومة تعاملت مع الأطفال كإرهابيين”
والشهر الماضي، حثت وزارة الخارجية العراقية دول العالم على تسلم أطفال إرهابيين من داعش أجانب لديها من غير المدانين أو من الأحداث الذين أتموا محكوميتهم، حيث قال الناطق باسم الوزارة أحمد محجوب إن “العراق فاتح السفارات الأذرية والروسية والألمانية وغيرها، بشأن استلام أطفال وأحداث انتهت مدة محكومياتهم”، موضحاً أن “طبيعة عمل الخارجية تتسم بالتدقيق والتمحيص، لعوائل داعش والدائرة القانونية تدير ملف القاصرين”.
ويقول علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، إن “أطفال داعش الموجودين في السجون هم ولدوا من أحد الأبوين المنتمين للتنظيم وهم ليسوا مجندين كما يتداول في وسائل الإعلام المحلية”.
وفي حديث لمنصة “الجبال”، يضيف البياتي، أن “المؤسسات العراقية تعاملت مع أي شخص حتى واذا كان طفلاً وكان موجوداً في مكان عمل تنظيم داعش كارهابي خلال عمليات التحرير”، مبيناً أن “العراق يفتقر إلى اليات تعمل على فرز الإرهابي عن الأشخاص الموجودين اجباراً في ذات الوقت”.
ووفقاً للبياتي، فإن القانون العراقي تعامل معهم كارهابيين حتى وإذا لم يكن هناك أدلة كافية وفي بعض الأحيان اعتمدوا على المخبر السري في هذا الشأن، مشيراً إلى أن “قانون حماية الأحداث في العراق غير مطبق بحق هؤلاء الأطفال”.
وبحسب حديث البياتي، فإن التقديرات تشير إلى أن “مشروع قانون العفو العام لم يتناول قضية شمول أطفال داعش ضمن بنوده، رغم أن القوانين الدولية وحتى العراقية الخاصة بالطفولة تنص وتجبر المشرعين على سن هكذا قوانين خصوصاً وأنهم أطفال ليس لهم دراية بأي عمل قاموا به”.
وتحدثت تقارير دولية، في وقت سابق، عن هؤلاء الأطفال مؤكدة أنهم “لا يزالون غير قادرين على تلقّي التعليم رغم الهزيمة التي مني بها تنظيم داعش في العراق قبل أعوام، ولا يستطيع هؤلاء الأطفال حتى الآن الحصول على الوثائق المدنية اللازمة لالتحاقهم بالمدارس الحكومية”.
“لا يمكن محاكمتهم كونهم أطفال”
ويحاكم القضاء العراقي عناصر التنظيم المحليين والأجانب وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، التي تنص على “الحكم بإعدام كل من ارتكب جريمة بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمال الإرهابية”.
وفي هذا الصدد، يقول علاء شون، وهو أكاديمي وخبير في الشؤون القانونية، لمنصة “الجبال”، إن “أطفال داعش هم الأطفال الذين يتواجدون حالياً في معسكرات خاصة مع أمهاتهم اللواتي يعيشون معهم في هذا المعسكر نتيجة قتل أو اعتقال والدهم وهو زوج الأم”.
ويشير شون، إلى أن “أكثر الأطفال هم دون سن التاسعة وبالتالي لا يمكن مسألتهم جزائياً، حتى وإن ارتكبوا جريمة معينة، فلا يمكن محاسبتهم هنا ينطبق عليهم مصطلح الضحايا”.
ويضيف الخبير القانوني، قائلاً: “يجب احتجازهم في أماكن إيواء خاصة بهم ولا يجوز خلطهم مع البالغين”، مبيناً أن “أماكن الاحتجاز خاصة بهم وهي تختلف عن أماكن الاحتجاز لدى البالغين للمحافظة عليهم وعدم التأثير عليهم من البالغين وللعمل عليهم في سبيل إعادتهم إلى المجتمع وسهولة إنصهارهم فيه”.
ووفقاً لتشريعات الأحداث بشكل عام في العراق، فلا يجوز توقيف المتهم الحدث إلا في حالات محددة واستثنائية وهذا هو التوجه الذي سار عليه قانون رعاية الأحداث العراقي النافذ رقم 76 لسنة 1983، حيث نصت المادة (52/أولاً) بعدم جوازية توقيف المتهم الحدث في المخالفات وأجاز توقيفه في جرائم الجنح وجرائم الجنايات، ولم يوجب التوقيف إلا في حالة واحدة أشارت إليه الفقرة الثانية عندما تكون التهمة بجناية عقوبتها الإعدام وكان عمر الحدث تجاوز الرابعة عشر.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية