العراق يقدم طلباً رسمياً لتفكيك «مخيم الهول»
مع تصاعد الأحداث في سوريا على الصعيدين الأمني والسياسي، عمد تنظيم داعش إلى استغلال الفراغ الأمني الناتج عن الصراعات الداخلية لتعزيز نفوذه، الأمر الذي جدد الحديث والمخاوف في العراق حول مخيم الهول السوري بما يتضمنه من خزين بشري يشكل وريثا لأفكار الزرقاوي والبغدادي من الممكن أن ينفجر في أي وقت.
وفي هذا الإطار، أكد النائب عامر الفايز، اليوم الخميس، أنّ العراق قدّم طلبًا رسميًا لتفكيك مخيم الهول في سوريا، محذرًا من خطورته كقنبلة بشرية موقوتة تهدد أمن المنطقة بأكملها.
وتتخوف الأوساط السياسية والأمنية في العراق، من استخدام الجهاديين في مخيم الهول كورقة لخلخلة الوضع الأمني من جديد، إذ يسعى العراق منذ سنوات، لإغلاق مخيم الهول في سوريا الذي يؤوي عشرات الآلاف من زوجات وأبناء مسلحي تنظيم داعش، ويضم أيضا مناصرين للتنظيم المتشدد، وذلك بهدف الحد من مخاطر التهديدات المسلحة عبر الحدود مع سوريا.
وقال الفايز في حديث تابعته “العالم الجديد”، إنّ “العراق يعتبر مخيم الهول السوري مصدر تهديد مباشر لأمنه الداخلي، بالإضافة إلى تداعياته الخطيرة على أمن عواصم المنطقة”، مشيرًا إلى أنّ “المخيم يضم أكثر من 30,000 شخص ينتمون إلى أكثر من 50 دولة، من بينهم إرهابيون يُشكلون خطرًا متصاعدًا”.
وأضاف أنّ “العراق تقدم بطلب رسمي إلى الدول المعنية بهذا المخيم، داعيًا إلى ضرورة تفكيكه والضغط على الدول التي لديها رعايا داخله لسحبهم والتعامل معهم وفق القوانين الدولية”، لافتًا إلى أنّ “بغداد بدأت بالفعل اتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز أمنها الداخلي من خلال معالجة هذا الملف بشكل جدي”.
وأشار الفايز إلى أنّ “استمرار وجود المخيم يشكل بيئة خصبة للتطرف، ما قد يؤدي إلى نشوء جيل جديد من التنظيمات الإرهابية يكون تهديده أخطر من سابقه”، موضحًا أنّ “العراق لن يقبل ببقاء المخيم إلى ما لا نهاية وسيواصل حراكه لحماية أمنه ومصالحه”.
وتابع أنّ “العديد من الدول بدأت تتفاعل مع جهود بغداد نتيجة إدراكها لحجم التهديد الذي يشكله مخيم الهول على أمن الشرق الأوسط والعالم”، مبينًا أنّ “المؤشرات تؤكد أنّ المخيم يضم عناصر قد تُستخدم مستقبلًا ضمن أجندات تهدف إلى إثارة التوترات في المنطقة”.
ويستغل تنظيم داعش المساحات الشاسعة في البادية وضعف التواجد الأمني لترسيخ وجوده ويسعى للحصول على أسلحة متطورة تعزز قدرته على تنفيذ هجمات واسعة بينما يشكل وجود عناصره في السجون السورية خطرًا دائمًا في ظل احتمالات هروبهم أو إطلاق سراحهم، بحسب مختصين.
ووصلت إلى مدينة الموصل دفعة جديدة من نازحي مخيم الهول، في 11 كانون الثاني يناير الجاري، هي الأولى بعد إسقاط نظام بشار الأسد، فيما وردت أنباء عن تحضير وزارة الهجرة عبر مستشارية الأمن القومي على إعادة وجبات جديدة من هؤلاء النازحين خلال المرحلة المقبلة.
وكانت مصادر سورية أفادت في 31 كانون الثاني ديسمبر 2024، بأن مخيم الهول السوري والذي يضم آلاف من عوائل داعش سجل خلال الـ 48 ساعة الماضية ثلاث حالات قتل من خلال النحر أحدهم عراقي.
ويشكل تنامي نشاطات داعش في عمق البادية السورية المحاذية للحدود العراقية، مع سقوط نظام بشار الأسد، تهديدا على العراق، إذا تمكن مسلحو التنظيم من السيطرة على الحدود السورية العراقية، ونجحوا مجددا من اجتيازها.
ويسعى السوداني إلى إبعاد الساحة العراقية عن أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات، بالإضافة إلى محاولاته لموازنة الوضع الجديد في سوريا، والانخراط العراقي في الجهود الدبلوماسية العربية والدولية. كما يسعى إلى إبعاد إيران، التي تمتلك أذرعاً قوية في العراق، عن الشأن السوري، بحسب مختصين.
ويخشى العراق من عودة سيناريو أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة في السنوات الماضية.
وقامت القوات العراقية بتعزيز قواتها في الشريط الحدودي مع سوريا بعد أن تراجع الجيش السوري بقيادة نظام الأسد أمام المجاميع المسلحة لغاية ان تمكنت من إسقاط النظام في غضون أيام معدودة.
وعقب سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر 2024، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.
وكشف مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الاعرجي في بيان نشر في تشرين الأول أكتوبر 2024، أن “الحكومة تعمل على أكبر عملية إدماج مجتمعي لمن قدموا من مخيم الهول، حيث تم إخضاعهم للتأهيل النفسي في مخيم الجدعة بإشراف وزارة الهجرة والمهجرين وكل الأجهزة الأخرى.”
ووفق البيان، بلغت اعداد العائلات العائدة حتى الآن من الهول إلى العراق أكثر من 2600 عائلة، أعيدت أكثر من 2000 عائلة إلى مناطقها الأصلية حتى الآن، فيما تبقت 600 عائلة وهي الآن تخضع للتأهيل، تمهيدا لإعادتها وإعطائها فرصة للحياة من جديد.”.
ويضم مخيم الهول الذي يخضع لحراسة مشددة وتشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية، حوالي 48 ألف شخص بعد أن كانوا 73 ألف شخص، حيث ان غالبية نزلاء المخيم من نساء وأطفال داعش، مما يعزز المخاوف من ولادة جيل إرهابي جديد.
وكان الآلاف من عناصر داعش نقلوا إلى مخيم الهول، بعد أن هُزم في سوريا في آذار مارس 2019، وإنهاء سيطرته على مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية.
وأثارت عودة هذه العوائل حفيظة الكثير من الجهات، حيث اعتبرتهم منتمين لتنظيم داعش، وأن إعادتهم تشكل خطرا كبيرا على العراق، وقال النائب محمد كريم في وقت سابق لـ”العالم الجديد”، إن “هذه القرارات التي تتخذ هي بتأثيرات خارجية لإعادة تدوير هذه القنابل القاتلة إلى داخل البلد، وهم يعلمون أن هؤلاء رضعوا الإجرام مع أمهاتهم وآبائهم الدواعش”.
ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أسس من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية، ونزح إليه ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة، خاصة بعد أحداث عام 1991 عندما استباح النظام العراقي السابق دولة الكويت، وقادت ضده الولايات المتحدة حربا عبر تحالف دولي.
وكانت “العالم الجديد”، قد نشرت تحقيقا حول مخيم الهول السوري، وكشفت فيه عن أعداد العراقيين والسوريين وأتباع الجنسيات الأخرى المتواجدين فيه.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية