“الرواتب” تعرقل مساعي “تصفير” مشكلة الكورد مع بغداد
تواجه “أحزاب متنفذة” داخل الإطار التنسيقي المُشكِل لحكومة محمد شياع السوداني، اتهامات بمحاولة خلق أزمات مفتعلة مع إقليم كوردستان فيما يتعلق بالموازنة ودفع رواتب الموظفين، رغم تشديد المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) بضرورة إبعاد رواتب الموظفين عن السجالات السياسية، في وقت يعتزم الإقليم إرسال وفد مالي إلى بغداد غداً الأحد للتوصل إلى أحد الحلين، بحسب ما كشفه عضو في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
وتستمر أزمة الرواتب في إقليم كوردستان مع بداية العام 2025، بإثارة الجدل وقلق المواطنين، حيث باتت هذه القضية محور مطالبات شعبية لحلها بشكل جذري، وتتركز الدعوات على حسم مصير راتب شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 2024 الذي لم يتم صرفه بعد، في ظل انعكاسات خطيرة على حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وسط تأكيدات بأن الحل يكمن في التزام كل من بغداد وأربيل بقرارات المحكمة الاتحادية وتجنيب المواطنين نتائج الصراعات السياسية المستمرة منذ سنوات.
وفد مالي لبغداد
وفي هذا السياق، قال عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وفاء محمد كريم، إن “في كل عام يلاحظ وجود تأخير متعمد لدفع رواتب موظفي إقليم كوردستان، وأيضاً عدم تطبيق الاتفاقيات المبرمة حتى بعد التزام الإقليم باعطاء نصف الإيرادات خاصة في الأشهر (الرابع والخامس والسادس)، وتسليم الملف النفطي كاملاً، رغم تشديد المحكمة الاتحادية العراقية على ضرورة إبعاد الرواتب عن الجنبة السياسية”.
وأضاف كريم لوكالة شفق نيوز، أن “في عام 2024 استلم الإقليم 10 تريليونات دينار و26 مليار دينار، رغم حاجته إلى 11 تريليون و560 مليار دينار لدفع رواتب الموظفين، ولحد الآن موظفو الإقليم لم يستلموا رواتب شهر كانون الأول لعام 2024، وشهر كانون الثاني لعام 2025، لذلك هناك حاجة إلى اتفاقية جديدة”.
وكشف عن زيارة وفد مالي من حكومة إقليم كوردستان إلى بغداد غداً الأحد في سبيل التوصل إلى حل، “لأنه في حال عدم التوصل إلى حل فأن حكومة الإقليم سيكون لها موقف صارم”، مبيناً أن “الحل سيكون إما تسليم الإقليم جميع الواردات الداخلية إلى بغداد بالمقابل تسلم حصة الموازنة 12.67 كاملة، أو تسليم نصف الإيرادات حسب المادة 114 بالمقابل تسلم بغداد جميع رواتب الإقليم”.
وفي خطوة تصعيدية جديدة، أعلنت لجنة التنسيق بين الأساتذة والموظفين المحتجين في إقليم كوردستان، ظهر اليوم، عن إضراب شامل يبدأ من يوم غدٍ الأحد، في محاولة للضغط على الجهات المعنية للاستجابة لمطالبهم المتعلقة بتأخر الرواتب.
ويأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه الإقليم أزمة اقتصادية خانقة، حيث لم يتلقَ العديد من الأساتذة والموظفين رواتبهم المستحقة لشهر كانون الأول من العام الماضي وشهر كانون الثاني من العام الحالي.
ويضع هذا التصعيد الحكومة أمام اختبار جديد في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، ويثير تساؤلات حول مدى قدرتها على إيجاد حلول عملية لأزمة الرواتب المتأخرة وضمان استمرارية العمل في المؤسسات التعليمية والخدمية.
ويشهد إقليم كوردستان منذ أشهر عدة احتجاجات متواصلة من قبل فئات مختلفة من الموظفين والأساتذة، نتيجة تأخر دفع الرواتب المستحقة بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالإقليم.
وتعود أسباب الأزمة إلى التوترات السياسية والمالية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، إلى جانب تداعيات انخفاض أسعار النفط وأثرها على الميزانية.
أزمات مفتعلة
من جهته، ذكر المحلل السياسي، ياسين عزيز، أن “هناك أحزاباً متنفذة داخل الإطار التنسيقي تسيطر على قرار الحكومة الاتحادية، فهذه الأحزاب التي شكلت حكومة السوداني بناءً على ورقة سياسية مع بقية المكونات ومنها الكورد، لم تلتزم بمعظم النقاط التي تم الاتفاق عليها”.
وبين عزيز للوكالة، أن “هذه الأطراف السياسية تشغل الرأي العام بين الحين والآخر بأزمات مفتعلة ومنها مع الإقليم وتحديداً فيما يتعلق بالموازنة والرواتب وإعادة استئناف تصدير النفط، للضغط السياسي على الكيان السياسي والدستوري لإقليم كوردستان، رغم تشديد المحكمة الاتحادية على ضرورة إبعاد رواتب موظفي الإقليم عن السجالات السياسية”.
وأشار عزيز، إلى أن “هذه الأطراف بعد سيطرتها على قرار الحكومة الاتحادية وامتلاكهم غالبية نيابية بعد انسحاب التيار الصدري، بدأوا باستخدام نفوذهم عبر المؤسستين التنفيذية والتشريعية لخلق مشاكل لأي تقارب أو اتفاق بين أربيل وبغداد”.
ومؤخراً، زار رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، العاصمة العراقية بغداد، في 12 كانون الثاني/يناير الجاري، والتقى بعدد من المسؤولين الحكوميين والحزبيين، كما اجتمع مع ائتلاف إدارة الدولة في سبيل إيجاد الحلول المناسبة للملفات العالقة أبرزها أزمة رواتب الموظفين، وأكد الائتلاف “عدم وجود موقف سياسي من ملف رواتب الموظفين في إقليم كوردستان، سوى القضايا الفنية التي بالإمكان التوصل إلى صيغ حل بشأنها عبر الحوار والتفاهم، البعيد عن منصّات التصعيد الإعلامي”.
سبب المشكلة
من جانبه، أشار عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي، كاظم الشمري، إن “الخلاف الحالي بين بغداد وأربيل يدور حول عدم تسليم كمية النفط المنتج في الإقليم إلى (سومو) بموجب الاتفاق الذي حصل بين الطرفين، وبرزت هذه المشكلة عند سعي مجلس النواب العراقي تعديل قانون موازنة 2025”.
وأوضح الشمري خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، تفاصيل هذه المشكلة، بالقول إن “بغداد تطلب من إقليم كوردستان تسليم كامل المنتوج إلى (سومو) ويقيد إيراداً إلى خزينة الدولة، وبعد ذلك يتم تسديد رواتب الموظفين في الإقليم وتكاليف إنتاج برميل النفط من الموازنة، لكن الإقليم يرفض ذلك، ويطلب أنه هو من يقوم بتسديد الكمية المنتجة إلى (سومو) بعد خصم الرواتب وتكالف الإنتاج، فيما حددت بغداد تكلفة إنتاج برميل النفط الواحد 16 دولاراً”.
وأكد الشمري، أن “الخلاف ما بين بغداد وأربيل مهما كان مستواه يجب فيه احترام مبدأين، الأول اعتبار أن الثروات الطبيعية هي ملك للشعب العراقي سواء في البصرة أو أربيل أو في أي مكان بالعراق، والحكومة هي من تتولى بيع هذا المنتوج وتقديمه للشعب العراقي، أما المبدأ الثاني، فيجب ألّا يكون راتب المواطن العراقي سواء كان في الإقليم أو في مناطق العراق الأخرى، نقطة ضغط وابتزاز، بل يجب تسديد الرواتب في كل الظروف والأحوال، فهذان المبدآن يجب احترامهما والحفاظ عليهما”.
وكانت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، قررت تشكيل لجنة خاصة لمتابعة المستحقات المالية لاقليم كوردستان للعامين 2024 و2025.
وأعلنت اللجنة في 16 كانون الثاني/يناير الجاري، أن اللجنة الفرعية المؤقتة لمتابعة مستحقات إقليم كوردستان، ستباشر عملها الأسبوع المقبل، وستتم استضافة المسؤولين في وزارة المالية وديوان الرقابة المالية والبنك المركزي للوقوف على حقيقة توزيع المستحقات للإقليم.
ويأتي تشكيل هذه اللجنة بالتزامن مع مطالبة حكومة اقليم كوردستان والوزراء وممثلو الاقليم في بغداد، في 11 كانون الثاني/يناير الجاري، الحكومة الاتحادية بضمان رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام بالإقليم في العام الحالي كاملة دون نقصان.
معضلة الرواتب
وفي هذا الجانب، رأى الباحث المختص في الجانب المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن “الإقليم هو المسؤول عن مشكلة الرواتب وليس بغداد، فهو يحاول منذ عام 2020 – عندما انخفضت أسعار النفط بسبب جائحة كورونا – دفع رواتب موظفيه من بغداد بعد إن كانوا هم من يدفع الرواتب اعتماداً على بيع وتهريب النفط الذي وصل إلى حدود 800 ألف برميل نفط في اليوم، بالإضافة الى حصة محددة من بغداد قبل أن تصدر قرارات دولية بتحجيم التصدير”.
وأضاف حنتوش، خلال حديثه للوكالة، أن “الإقليم في عام 2020 عندما طلب من بغداد دفع رواتب موظفيه، قدم قوائم غير منطقية تصل إلى وجود أكثر من مليون وربع المليون بين موظف ومتقاعد وفئات ليست بغداد مسؤولة عنها، لذلك لم يتم المضي بتلك القوائم”.
وتابع: “بعد توقف نفط الإقليم إثر قرارات محكمة باريس وقرار المحكمة الاتحادية العراقية الذي كان واضحاً بتوطين الرواتب في المصارف، وتم إنشاء منصة (حسابي)، لكن الإقليم رفض أن تكون الرواتب في أي مصارف، بل عمدوا إلى تحديد مصارف محددة، ثم طلبت بغداد فتح حسابات للموظفين، لكن الإقليم رفض أيضاً وطالب بتسلم الأموال وهو من يدفع للموظفين، وهذا يخالف قرار المحكمة الاتحادية، لذلك عدم الالتزام هو من جانب الإقليم”.
واعتبر حنتوش، أن “بغداد ملتزمة وسلمت الإقليم أكثر من 11 تريليون دينار لسنة 2024، وفي عام 2023 لم يكن للإقليم تخصيصات كبيرة لكن الحكومة الاتحادية تسلفت من الـ(تي بي آي) واعطت للإقليم 4 تريليونات دينار، لذلك بغداد ساعدت الإقليم بشكل كبير”.
وخلص الخبير الاقتصادي، إلى القول إن “حل مشكلة الرواتب يكمن بفتح حسابات مباشرة للموظفين، أما الفئات التي يشملها الإقليم بالرواتب وبغداد ليست مسؤولة عنها، فعليه رفعها من القوائم، وهو من يتولى دفع رواتب تلك الفئات، وحينها تحل المشكلة”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية