تهريب الدولار إلى إيران.. كيف تهدد العقوبات الأمريكية اقتصاد العراق؟
يبدو أن العقوبات الأمريكية الاقتصادية والمالية أخذت تخط مسيرها نحو العراق، وبدأت هذه المرة بمجموعة من المصارف الأهلية الخاصة، وربما يتسع نطاقها تدريجيا إذا لم تتحرك السلطات العراقية لوقف عمليات تهريب الدولار إلى إيران ودعم الجانب الإيراني في أنشطته المشبوهة في الشرق الأوسط وفي مقدمتها ملف الفصائل المسلحة العراقية العاملة ضمن المحور الإيراني.
وشملت العقوبات الأمريكية مصارف خاصة عراقية بعد تحذيرات وتهديدات وتنبيهات بفرض تلك العقوبات جراء استمرار عمليات تهريب الدولار إلى إيران من المصارف العراقية.
وأفادت رويترز نقلا عن مصادر عراقية قولها: إن “عقوبات جديدة ستصدر ضد 5 مصارف عراقية خالفت المعايير الدولية وقام بعضها بنقل الأموال إلى جهات غير شرعية”.
وذكرت المصادر المصرفية أن “العقوبات ستشمل مالكي المصارف بعد توجيه الاتهام إلى واحد على الأقل من المصارف الخمسة بالعمل بالكامل لصالح إحدى الميليشيات في العراق”.
والمصارف العراقية الخمسة التي شملتها العقوبات الأمريكية والتي تحمل جميعها شعارات دينية هي مصرف المشرق العربي الإسلامي والمصرف المتحد للاستثمار ومصرف السنام الإسلامي، ومصرف مسك الإسلامي ومصرف أمين العراق للاستثمار والتمويل الإسلامي.
وبعد شمول المصارف الخمسة بالعقوبات يكون 34 مصرفا أهليا من أصل 44 مصرفا في العراق قد شملت بالعقوبات لتبقى 5 مصارف عراقية عاملة في العراق إلى جانب 5 مصارف عراقية أخرى تعمل برؤوس أموال عربية وأجنبية.
ويصبح العدد الإجمالي للمصارف العاملة في العراق 10 مصارف عدا المصارف الحكومية الاخرى وهي مصرف الرافدين ومصرف الرشيد والمصرف العراقي للتجارة والمصارف المتخصصة الأخرى كالزراعي والصناعي وغيرها.
لكن البنك المركزي العراقي نفى مزاعم تعرض مصارف عراقية للعقوبات الدولية، فيما كشف عن مضمون اجتماعه بوزارة الخزانة الأمريكية في دولة الإمارات العربية.
بالمقابل أكدت مصادر حكومية تلقي العراق بلاغاً من الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على 5 مصارف عراقية كمرحلة أولى، فضلاً عن شركات صرافة، بسبب تورطها بعمليات تحويل غير شرعية، وتورطها بتهريب الدولار إلى جهات محظورة وعلى رأسها الجمهورية الإيرانية.
وأشارت المصادر إلى أن العراق تلقى أيضا تلقى بلاغا بمنع استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني كافة في الخارج، خلال الشهرين المقبلين، كخطوة لمنع تهريب العملة إلى الخارج عبر تلك البطاقات بعد رصد تحركات مالية مشبوهة من قبل الفريق الأمريكي المتخصص في متابعة التحركات المالية داخل العراق.
والعراق من الحلفاء النادرين لكل من الولايات المتحدة وإيران ولديه احتياطيات تقدر بأكثر من 100 مليار دولار في أميركا ويعتمد اعتمادا كبيرا على تعاون واشنطن في ضمان عدم إعاقة وصوله إلى عوائد النفط والموارد المالية.
كما أن العراق ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، قد يجد نفسه في مأزق كبير بعد أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الشهر إنه سيستأنف سياسة أقصى الضغوط تجاه إيران.
بينما تنظر إيران إلى جارها وحليفها العراق باعتباره متنفسا اقتصاديا، وتتمتع بنفوذ كبير هناك من خلال الفصائل والأحزاب القوية التي تدعمها، كما تحصل على العملة الصعبة من العراق من خلال الصادرات وتتجنب العقوبات الأميركية عبر نظامه المصرفي.
أين الخلل ولماذا تفرض العقوبات؟
ويشخص الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش الخلل الذي يواجه العراق في التعامل مع إيران والذي تلجأ بسببه واشنطن إلى فرض العقوبات على المصارف العراقية.
وقال حنتوش في حديث لشبكة “الساعة”: إن “العراق يمر بأزمة سياسة نقدية منذ عام 2022، دون أن تكون هناك معالجات لتلك الأزمة والتي وصلت لمرحلة انهيار السياسيات النقدية للعراق بسبب الإصرار على السياسات الخاطئة”.
واستبعد حنتوش أن “يكون للعقوبات الأخيرة التي فرضتها الخزانة الأمريكية تأثير مباشر على أوضاع المواطنين الاقتصادية أو رواتب الموظفين والمتقاعدين في الوقت الحالي.
وكشف عن السبب وراء فرض العقوبات الأمريكية على المصارف العراقية، وهي: “عدم الوضوح والفوضوية والشبهات في التعامل العراقي مع الجانب الإيراني، محملا المسؤولية في ذلك إلى البنك المركزي العراقي”.
وأضاف حنتوش: أن “الولايات المتحدة ليس لها مشكلة مباشرة مع العراق لتفرض عليه العقوبات، كما أن واشنطن ليس لها مشكلة في التعامل بين العراق وإيران، إذ إن أغلب دول المنطقة تتعامل مع إيران ولكن بطريقة منظمة وليست بالطريقة الفوضوية التي تجري في العراق”.
وأشار إلى أن “باقي دول العالم كتركيا والإمارات ودول آسيا وعمان تتعامل مع إيران وتقدم مستحقات طهران من التبادل التجاري إما بالذهب أو عملات أجنبية أخرى غير الدولار، وإما بالبضائع كما تفعل الإمارات أو بالحوالات كما تفعل عمان”، مؤكدا أن “الجانب العراقي لا يتعامل مع إيران بهذا الشكل، حيث أنه يتعامل بالدولار خلافا لما تتعامل به الدول الأخرى”.
وبين الخبير المالي والمصرفي أن “الجانب العراقي يفترض به للخروج من مشكلة العقوبات الأمريكية الحالية أن يوقف التعامل والحوالات المشبوهة مع الجانب الإيراني وكذلك أن يبادر المركزي العراقي لتحديد منصة للتعامل مع إيران لدفع مستحقاتها بالذهب أو بعملات أخرى، فضلا عن التنسيق مع الولايات المتحدة كما تفعل باقي الدول”.
وبين أن “استمرار البنك المركزي بنهجه الخاطئ واعتماده للفوضوية وتقصده الاستمرار بالخطأ سيؤدي إلى محرقة كبيرة للنظام المصرفي ولعموم الدولة العراقية بسبب العقوبات الأمريكية”.
ضرورة الإصلاحات والرقابة على النظام المالي
من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد عيد أن العقوبات الأمريكية على المصارف العراقية ضرورة تعزيز الرقابة على النظام المالي العراقي وضرورة اتخاذ خطوات إصلاحية جادة في قطاع البنوك للحد من المخالفات المالية وضمان الامتثال للمعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال عيد في حديث لشبكة “الساعة”: إن “التصريحات الرسمية التي كشف عنها البنك المركزي العراقي بتلقيه طلباً أميركيا بحظر 5 مصارف و3 شركات مالية لتعاونها مع إيران يرافقها تحديات كبيرة تواجهها حكومة بغداد بسبب ضغوطات اقتصادية دولية تتعلق بانتهاك إجراءات التعامل المالي”.
وأضاف عيد: أن “الحظر المفروض على المصارف العراقية يأتي بسبب تورطها في عمليات تهريب الدولار وتحويل الأموال بطرق ملتوية لصالح جهات إيرانية وأخرى لبنانية”.
وأشار إلى أن “القرار الأمريكي يشمل حظر التعامل بالدولار الأمريكي، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد العراقي، ويزيد من التحديات التي يواجهها القطاع المصرفي، إلى جانب ذلك، يفرض القرار منع أي حوالات أو تعاملات مالية بالدولار، ويحظر الأنشطة المصرفية لهذه المؤسسات مع البنوك الأجنبية”.
وتابع: أن “العراق ما يزال يواجه خطر العزلة الاقتصادية المتزايدة نتيجة للسياسات المالية والاقتصادية التي تنتهجها الحكومة الحالية، على الرغم من الموارد الطبيعية الكبيرة التي يمتلكها، إلا أن السياسات الاقتصادية الخاطئة والفساد المستشري قد أسهما في تدهور الوضع المالي، مما جعل السياسة الاقتصادية في دائرة التخبط”.
وحذر عيد من أن “النظام القائم في العراق، يسير بنهج غير مستدام في إدارة الاقتصاد، ويعزز من ضعف القطاع المصرفي ويشجع على اللجوء إلى طرق ملتوية في التعاملات المالية، مما يعزل العراق عن الأسواق العالمية”.
وأشار إلى أن “السياسات المالية التي تركز على حلول قصيرة المدى، مثل الاعتماد على الإيرادات النفطية فقط، وتجاهل تطوير القطاعات الأخرى، تجعل الاقتصاد العراقي عرضة للصدمات الاقتصادية، خصوصاً في ظل تقلبات أسعار النفط”.
وختم حديثه بالقول: إن “تنامي الفساد والضعف في الرقابة المالية يعزز من عزلة العراق الاقتصادية، ويجعله في دائرة مغلقة بعيدًا عن التعاون الفعال مع المؤسسات المالية الدولية، وأن استمرار هذه السياسات سيزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، ويهدد بإبقائه في دائرة من العزلة المالية التي ستؤثر سلبًا على الاستقرار والنمو”.
سلبيات وإيجابيات العقوبات
أما الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي فيرى أن العقوبات الأمريكية على النظام المصرفي العراقي لها سلبيات وإيجابيات، سواء نفذت مباشرة من الجانب الأمريكي أو عبر البنك المركزي العراقي.
وقال الهاشمي في تغريدة على منصة (X) إن “سلبيات العقوبات تتمثل في زيادة القلق في الأسواق وانخفاض الثقة بالدينار العراقي والاتجاه إلى الدولار مما يؤدي إلى تدهور قيمة الدينار، إلى جانب انخفاض الثقة بالمصارف العراقية مما يجبر المودعين لسحب مدخراتهم من البنوك واكتنازها خارج النظام المصرفي”.
وأردف أن “هذه تعد خسارة اقتصادية كبيرة للعراق، وكذلك تشويه سمعة النظام المصرفي العراقي دولياً والتأثير سلباً على تصنيفه الائتماني مع إمكانية تخفيضه وهذا ما يؤدي إلى ابتعاد المستثمرين والممولين من العمل والاستثمار في العراق”.
وأضاف أن “العقوبات تكشف حجم القصور وسوء الأداء الذي يتصف به عمل البنك المركزي والذي تسبب بشكل رئيسي في استمرار تدهور عمل بعض المصارف وتشويه سمعة النظام المصرفي العراقي أمام العالم”.
وتابع الهامشي: أما “الإيجابيات فتتمثل بمحاصرة المصارف الاحتيالية وتطويقها وحرمانها من التصرف بالأموال والتخلص منها وتنقية النظام المصرفي من نشاطاتها الضارة، وزيادة حماية وتحصين الدولار العراقي من أن تصل له مافيات التهريب عبر الحوالات الاحتيالية أو الدولار النقدي وفي ذلك صيانة للأمن الاقتصادي العراقي”.
وأشار إلى “حرمان جزء من المنظومة السياسية العراقية والكثير من الأطراف التابعة لها من موارد مالية كانت تعتاش عليها لتمويل نشاطاتها السياسية والمسلحة وغير ذلك، مما قد يساهم في إضعاف وتحجيم تلك الأطراف”، فضلا عن “تحذير وتحفيز باقي المصارف العراقية للتخلص من العمليات المالية غير القانونية والتركيز على تطوير العمليات وتنويع الخدمات وتوسيع قاعدة الزبائن والاهتمام بالجودة والتنافسية”.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في 19 من شهر تموز من العام 2023، عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار ، في حين منعت وزارة الخزانة الأميركية 4 بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار في كانون الثاني نوفمبر من العام 2023، وكذلك فرضت بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام.
وفي شباط/ فبراير 2024 أصدر المركزي العراقي وثيقة ضمت أسماء 8 بنوك يحظر عليها التعامل بالدولار وهي مصرف آشور الدولي للاستثمار ومصرف الاستثمار العراقي ومصرف الاتحاد العراقي ومصرف كردستان الدولي الإسلامي للاستثمار والتنمية ومصرف الهدى، ومصرف الجنوب الإسلامي للاستثمار والتمويل ومصرف العربية الإسلامي ومصرف حمورابي التجاري.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية