هيومن رايتس ووتش: تعديل قانون الأحوال الشخصية يُشرِّع الزواج غير المُسجّل
حذّرت “هيومن رايتس ووتش” من أن التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي دخل حيز التنفيذ في 17 شباط 2025، يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق النساء والفتيات، ويقوض مبدأ المساواة أمام القانون، مشيرة إلى أن التعديل يُشرّع الزواج غير المسجّل.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي دخل حيز التنفيذ في 17 شباط 2025 بعد شهور من المشاحنات القانونية والسياسية، ينتهك حقوق النساء والفتيات في المساواة أمام القانون، ويعرّضهن لخطر انتهاكات أخرى.
وأشارت إلى أن الضغط والمناصرة المستمرَّين من قبل جماعات حقوق المرأة خفّفا جزئياً من الأضرار، من خلال الإبقاء على أحكام تتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج، وحضانة الأطفال، وتعدد الزوجات، إلا أن القانون المعدَّل لا يزال يحتوي على أحكام تهدد حقوق النساء والفتيات.
تعدد الأنظمة القانونية يقوّض المساواة
بموجب القانون الجديد، يمكن للزوجين عند إبرام عقد الزواج اختيار ما إذا كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 أو “مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية” (المدونة) التي سيُعِدّها المذهب الشيعي الجعفري، سيحكم زواجهما وطلاقهما وأطفالهما وميراثهما. ولا يحق لهما تغيير هذا الاختيار لاحقاً، مما يؤدي فعلياً إلى إنشاء أنظمة قانونية منفصلة تمنح حقوقاً مختلفة للطوائف المختلفة، وهو ما يتعارض مع الحق في المساواة أمام القانون لجميع العراقيين، المنصوص عليه في المادة 14 من الدستور العراقي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في “هيومن رايتس ووتش”:من المحبط جداً أن نرى قادة العراق يدفعون البلاد إلى الوراء بدلاً من إحراز تقدم في مجال حقوق المرأة والفتيات. رغم أن النص النهائي يتضمن تعديلات مهمة، خاصة بما يتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج، إلا أن هذه التغييرات لم تفعل أكثر من تحويل القانون من فظيع إلى سيئ جدًا.”
زواج الأطفال: مخاوف قائمة رغم التعديلات
ينص النص النهائي للتعديل على أن الحد الأدنى لسن الزواج في المدونة لا يمكن أن يتعارض مع قانون الأحوال الشخصية، الذي يحدد السن القانونية للزواج بـ 18 عاماً، أو 15 عاماً بإذن من القاضي “واعتماداً على أهلية الطفل وقابليته البدنية”. ورغم أن هذا البند يخفف المخاوف من إمكانية السماح بزواج الفتيات في سن التاسعة، فإنه لا يزال يتعارض مع المعيار الدولي الذي يحدد الحد الأدنى للزواج بـ 18 عاماً.
وفقاً لـ “صندوق الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسف)، تتزوج 28% من الفتيات في العراق قبل سن 18 عاماً، مما يزيد من خطر تعرضهن للعنف الجنسي والجسدي، والحرمان من التعليم والتوظيف، ويؤدي إلى عواقب صحية ونفسية ضارة.
الحقوق الأسرية تحت التهديد
يحتفظ النص النهائي أيضاً بأحكام تعدد الزوجات الواردة في قانون الأحوال الشخصية، حيث تشترط المادة 3 منه أن يكون تعدد الزوجات “بموافقة القاضي، الذي يجب أن يضمن قدرة الزوج على إعالة أكثر من زوجة واحدة ووجود مصلحة مشروعة.”
كما ينص التعديل على أن المدونة لا يجوز أن تتضمن “ما لا ينسجم مع مصلحة الطفل المحضون”، مع ضمان حق الوالد الذي لا يملك الحضانة في “اللقاء والتواصل مع أطفاله بالمقدار المناسب واللائق مدةً ومكاناً.”
وفي حال نشوء نزاع بين الزوج والزوجة حول النظام القانوني الذي ينبغي تطبيقه، يحدد القاضي المصلحة الفضلى لكلا الطرفين، بعدما كان القرار في النسخة السابقة للتعديل يُمنح للزوج، في انتهاك لالتزامات العراق بدعم الحقوق المتساوية للمرأة.
مخاوف من زواج المتعة والزواج غير المسجّل
حذّرت “هيومن رايتس ووتش” من أن التعديل يُشرّع الزواج غير المسجّل، مما يشكل ثغرة تسمح بزواج الأطفال، وهو ما وثقته المنظمة سابقاً. ووفقاً لـ “بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق”، فإن 22% من الزيجات غير المسجلة في البلاد شملت فتيات دون سن 14 عاماً.
كما تخشى جماعات حقوق المرأة من أن منح رجال الدين سلطة عقد الزيجات قد يؤدي إلى إضفاء الشرعية على “زواج المتعة”، حيث يتم ترتيب عقد زواج لفترة محددة مقابل مهر، دون التزامات مالية بعد انتهاء المدة، مما يفتح الباب أمام الاستغلال الجنسي للنساء والفتيات.
غياب الرقابة الديمقراطية
يمنح التعديل المذهب الجعفري أربعة أشهر لإعداد وتقديم “المدونة” إلى البرلمان، الذي يتعين عليه الموافقة عليها وتنفيذها خلال 30 يوماً، دون إتاحة فرصة للمراجعة أو التصويت عليها من قبل المشرّعين أو الرأي العام، مما يقلص الرقابة الديمقراطية ويمنح السلطات الدينية سلطة غير متناسبة في وضع القانون.
وبموجب المذهب الجعفري، لا يحق للمرأة المطلقة الاحتفاظ بمنزل الزوجية، أو الحصول على نفقة زوجية أو مهرها، ويستمر الأطفال في العيش معها لمدة عامين فقط، بغضّ النظر عن أعمارهم، بشرط عدم زواجها مرة أخرى.
تمرير القانون وسط جدل برلماني وقضائي
أُقر تعديل قانون الأحوال الشخصية ضمن حزمة تشريعات أخرى، بما فيها قانون إعادة الممتلكات وتعديل قانون العفو العام الثاني، حيث تم التصويت عليها جميعًا في 21 كانون الثاني ، بدلاً من التصويت على كل قانون على حدة. وأدى ذلك إلى اعتراض عدد من أعضاء البرلمان الذين رفعوا دعوى قضائية ضد رئيس البرلمان محمود المشهداني، متهمين إياه بمخالفات إجرائية.
وفي 11 شباط، ألغت المحكمة الاتحادية العليا أمراً سابقاً بوقف تنفيذ القوانين الثلاثة، ليصادق عليها رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد في 13 شباط، وتدخل حيز التنفيذ رسمياً في 17 شباط.
انتهاك للالتزامات الدولية
تؤكد “هيومن رايتس ووتش” أن هذا التعديل ينتهك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي صادق عليها العراق عام 1986، حيث يحرم النساء والفتيات من حقوقهن على أساس جندرهن. كما يخالف اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها العراق عام 1994، من خلال السماح بزواج الأطفال، وتعريض الفتيات لخطر الزواج القسري، والانتهاكات الجنسية، وإهمال المصلحة الفضلى للطفل في قضايا الطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، يرى التقرير أن التعديل ينتهك “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” من خلال حرمان بعض المواطنين من حقوقهم بناءً على دينهم.
“تأثيرات واسعة النطاق”
قالت سارة صنبر: “التأثيرات الممتدة لهذا القانون ستكون واسعة النطاق، ومن المرجح أن تغيّر نسيج المجتمع العراقي، على حساب استقلالية النساء والفتيات العراقيات، وقدرتهن على اتخاذ قراراتهن بأنفسهن.”
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية