لن تتوقف عند اليمن.. العراق يدخل لائحة ترامب العسكرية
يرى مراقبون أن الحملة العسكرية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد جماعة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن لن تتوقف في تلك الجغرافيا، بل هي بداية “الضغوط القصوى” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه حلفاء إيران في المنطقة، وفي جزء منها قد تشمل العراق كونه خيار عسكري استراتيجي، خصوصاً في ظل الإعلان عن تشكيل فصائل جديدة، لمواجهة الوجود الأمريكي.
وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مساء أمس السبت، أنّه أمر الجيش الأمريكي، بشنِّ عملية عسكرية “حاسمة” ضد الحوثيين في اليمن، فاتحاً بذلك شرارة هجوم جديد على الجماعة المدعومة من إيران والتي استهدفت ممرات الشحن في البحر الأحمر.
وأدى القصف الأمريكي أمس، إلى مقتل 23 مدنياً وإصابة 22 آخرين معظمهم من الأطفال والنساء في محافظتي صعدة وصنعاء، وفق المتحدث باسم وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، أنيس الأصبحي.
وتعليقاً على هذه الهجمات، قال رئيس مركز الهدى للدراسات الاستراتيجية في اليمن، حامد البخيتي، إن “الغارات الأمريكية العدوانية على اليمن، تعكس السلوك الإجرامي للدولة الأمريكية تجاه شعوب العالم، وتكشف وجهها الحقيقي للعالم”.
وأضاف البخيتي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “هذه الجرائم لن تثني اليمن عن موقفه المبدئي والإنساني والأخلاقي والإيماني تجاه شعب فلسطين وحرب التجويع التي تستهدف إخواننا في غزة”.
وأكد أن “أمريكا تستهدف اليمن في إطار استهدافها لشعوب الأمة في محاولة لإبقاء هيمنتها على المنطقة وحماية الكيان الصهيوني ومنحه الضوء الأخضر لعمل ما يريده في أراضينا العربية”.
والأسبوع الماضي، أعلنت جماعة “أنصار الله” الحوثيين استئناف حظر عبور السفن الإسرائيلية كافة من البحرين الأحمر والعربي وباب المندب وخليج عدن، “بعد انتهاء المدة المحددة للمهلة التي منحها عبدالملك الحوثي للوسطاء لدفعِ الإسرائيليين والضغط عليهم لإعادة فتحِ المعابرِ وإدخال المساعدات إلى قطاعِ غزة.
وعلق الحوثيون عملياتهم لاستهداف السفن في أعقاب الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، الذي تم التوصل إليه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
توسيع النفوذ
واتفق الأكاديمي والباحث في الشؤون الإيرانية والإقليمية، جلال جراغي، مع ما قاله حامد البخيتي، بأن “الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تقديم المزيد من الدعم للكيان الصهيوني، تهاجم كل من يقف أمام مخططات الكيان التي تستهدف المنطقة برمتها، فهي تستهدف الدول الإقليمية التي تستهدف الكيان نيابة عنه”.
وتابع جراغي، حديثه للوكالة قائلا إن “الولايات المتحدة الأمريكية تريد توسيع نطاق نفوذ الكيان الصهيوني، رغم أن هذا الكيان ينتهك القوانين والأعراف الدولية بالاعتداء على سوريا واليمن وفلسطين ولبنان، ويهدد إيران وجميع الدول الإقليمية”.
“وهذا ما يحذر منه مراراً (محور المقاومة)، بأن الكيان الصهيوني سوف يستهدف الدول الإقليمية في المستقبل، لأنه يحاول توسيع نطاق كيانه حسب ما يزعمه في (التوراة)”، بحسب جراغي.
وخلص الباحث الإيراني، إلى أن “الاعتداءات الأمريكية على اليمن سوف تكلفها كثيراً ولن تجدي لها نفعاً في النهاية، نظراً للأحداث الماضية التي صمد فيها اليمن سواء على مدى السنوات السابقة أو على مر التاريخ”.
انسداد دبلوماسي
من جهة أخرى، يكشف “العدوان الأمريكي” على اليمن يوم أمس، عن حالة الانسداد الدبلوماسي والسياسي الذي بلغته سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه المنطقة، وذلك بعد أقل من 4 أشهر من توليه السلطة، وفق المحلل السياسي الأردني، حازم عياد.
ولفت عياد، خلال حديثه للوكالة، إلى أن “هذا يمثل حالة من الانكشاف لهذه الدبلوماسية التي لم تعد فاعلة أو قادرة على تنفيذ أجنداتها بالطرق الدبلوماسية والتفاوضية، وباتت تلجأ إلى أدوات عسكرية في محاولة لفرض إرادتها أو لتعزيز قدراتها على تمرير سياساتها تجاه الإقليم”.
وأشار إلى أن “سياسة خفض التصعيد التي تبناها الرئيس الأمريكي ترامب تعثرت إلى درجة كبيرة بشكل سيرفع من مستوى التوتر الإقليمي، وسيكون لها ارتدادات على المنطقة سواء تجاه الملف الفلسطيني أو على العلاقة مع دول الإقليم”.
وأيد حازم عياد، ما ذهب إليه جلال جراغي، بأن “الهجمات الأمريكية على اليمن لم تُحقق ولا يُتوقع لها أن تحقق أهدافها، بل على العكس، فهي استهدفت مدنيين، وأدت إلى تصعيد في الإقليم، ودفعت حركة الحوثيين إلى توسيع عملياتها بإطلاق صواريخ تجاه الكيان الإسرائيلي، وبالتالي رفعت من مستوى التوتر”.
وأكد أن “الهجمات الأمريكية في جوهرها تعكس فشل الدبلوماسية الأمريكية ووصولها إلى طريق مسدود بسبب العجز الأمريكي عن الضغط على الجانب الإسرائيلي، وكان من الأجدر أن تمارس أمريكا نفوذها على إسرائيل لدفعها نحو خفض التصعيد”.
واستبعد المحلل السياسي الأردني في نهاية حديثه، تراجع مستوى التوتر “ما دامت إسرائيل مطلقة اليد في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي العدوان على الأراضي السورية”، لذلك ما يحدث ما هو إلا انعكاس لهذا الفشل الأمريكي في الضغط على حليفتها أو تمرير أجندتها عبر الأدوات الدبلوماسية وطاولة المفاوضات.
فصائل جديدة
وعن الموقف في العراق بعد الهجمات على اليمن، فلم تمر سوى ساعات على بدء العمليات الأمريكية، حتى ظهرت فصائل مسلحة منها لواء “قوات درع العباس الاستشهادية”، و”كتائب صرخة القدس”، تدعو لـ”الجهاد” لحماية العراق من جهة، ومن جهة أخرى للدفاع عن اليمن ومواجهة الهجوم الأمريكي، وسط توتر كبير في المنطقة، ولا سيما أن واشنطن أعلنت صراحة أن عملياتها في اليمن ستستمر بهدف القضاء على الحوثيين ووقف تصعيدهم ضد الملاحة الدولية.
ويعيد هذا المشهد سيناريو عام 2020، بعد اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، حيث ظهرت حينها العديد من الفصائل المسلحة، التي نفذت عمليات ضد القوات الأمريكية، وعلى إثرها استهدفت واشنطن العراق بضربات جوية عديدة منذ ذلك الوقت.
وهذا ما قد يتكرر حالياً، حيث أشار رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، إلى أن “الضربات الأمريكية للحوثيين لن تتوقف عند اليمن، بل هي بداية الخيار العسكري لترامب تجاه حلفاء إيران في المنطقة”.
وذكر الشمري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “الضربات هي لتخفيف الضغط على إسرائيل إذا ما قرر الحوثيون العودة لاستهداف تل أبيب أو شريانهم الاقتصادي، وفي جزء منها قد تشمل العراق كرسالة واضحة، خصوصاً بعد الاتصال الهاتفي ما بين رئيس الوزراء العراقي ووزير الخارجية الأمريكي، لذلك العراق ليس بعيداً عنها”.
ورأى أن “الإعلان الأمريكي (عملية عسكرية) يدلل على أن خيارات الرد ستكون متاحة في جغرافيات ثانية، والحملة في اليمن رسائل صلبة تجاه إيران بالتحديد ومن تبقى من حلفائها، وهو خيار استراتيجي وليس مؤقتاً”.
وبين أن “الهجمات الأمريكية قد تظهر على أنها رد على قرار الحوثيين بالعودة لاستئناف عملياتهم في البحر الأحمر، لكن الإعلان عن أنها (حملة عسكرية) يضعها في مدى زمني مفتوح، فضلاً عن ذلك، جاءت الضربات ما بعد الرفض (غير النهائي) الإيراني بعدم التعاطي مع رسالة ترامب، وهذا يضع الحملة كأساس من الضغوط القصوى”.
وخلص الشمري، إلى القول، إن “عدم حسم إيران لموقف معين تجاه المطالب الأمريكية هو ما دفع لاتخاذ قرار هذه الحملة العسكرية”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية