قانون «تحرير العراق».. واشنطن تضغط والحشد في مرمى النار
حل الميليشيات أم مواجهة العزلة؟
أثار مقترح قانون «تحرير العراق من إيران» جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية العراقية، بعد أن قدمه عضوان في الكونغرس الأمريكي بدعم من نواب جمهوريين وديمقراطيين، ويهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في بغداد وتعزيز استقلال القرار العراقي، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا غير مسبوق في مستوى التعاطي الأمريكي مع الملف العراقي، خصوصًا فيما يتعلق بالفصائل المسلحة المرتبطة بطهران.
ويقضي مشروع القانون، الذي تقدم به النائبان الجمهوريان جو ويلسون وجيمي بانيتا، بأن تقوم وزارة الخارجية والخزانة الأمريكية، إضافة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية، بوضع استراتيجية شاملة خلال 180 يوماً، تهدف إلى تفكيك الميليشيات المسلحة في العراق، وتجميد التعامل مع أي كيان له صلة مباشرة أو غير مباشرة بإيران، مع إمكانية تعليق المساعدات العسكرية والمالية للحكومة العراقية في حال عدم الامتثال.
ويأتي هذا التحرك في وقت حساس تمر به الحكومة العراقية التي تجد نفسها أمام معادلة شائكة، فالمشروع الاميركي لا يقتصر على التعبير عن موقف سياسي بل يتضمن آليات ملزمة وصيغًا تنفيذية قد تضع بغداد أمام تحدٍ وجودي، فإما الرضوخ للمطالب الأمريكية، أو المجازفة بخسارة الدعم الغربي، في ظل علاقات داخلية متوترة وصراع توازنات مستمر بين قوى متنازعة داخل البلاد.
تحول كبير
بدوره، أكد مدير المركز الإعلامي للدراسات الاستراتيجية نزار حيدر، أن «الكونغرس الأمريكي يشهد تحركًا تشريعيًا واسعًا لتمرير مشروع قانون يُعرف باسم (تحرير العراق من إيران)، في خطوة وصفها بأنها قد تُحدث تحولًا كبيرًا في العلاقة بين بغداد وواشنطن».
وقال حيدر لـ (باسنيوز)، إن «مشروع القانون يحظى بدعم نحو 30 عضوًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ما يعزز فرص تمريره بسهولة داخل الكونغرس»، مشيرًا إلى أن «هذا الدعم يعكس توافقًا سياسيًا نادرًا بشأن الموقف من النفوذ الإيراني داخل العراق».
وأوضح أن «المشروع في حال إقراره سيلزم الحكومة العراقية باتخاذ خطوات حاسمة، أبرزها تفكيك الفصائل المسلحة، وحل هيئة الحشد الشعبي، ووقف تلقي المساعدات الأمريكية»، معتبرًا أن «هذه الإجراءات ستؤثر بشكل مباشر على بنية النظام السياسي القائم».
وأضاف أن «الحكومة العراقية، رغم التصريحات العلنية، تبدو مستعدة للرضوخ لهذا الضغط من أجل الحفاظ على بقائها في السلطة»، مشيرًا إلى أن «الإطار التنسيقي يعيش حالة من القلق والترقّب إزاء هذه التطورات».
وتابع أن «هذا القانون يمثل بداية مرحلة جديدة في السياسات الأمريكية تجاه العراق»، محذرًا من «الاستهانة به أو تجاهله، لأن نتائجه ستكون سريعة ومباشرة على الواقع العراقي».
إنذار لقوى الإطار
في المقابل، دخلت قوى الإطار التنسيقي في حالة إنذار، بحسب مصادر مطلعة، وسط أنباء عن اجتماع مرتقب لزعامات هذه القوى لمناقشة تداعيات القانون المحتمل، والتحديات المرتبطة بتوجهات أمريكية نحو توجيه ضربة عسكرية لإيران، وهو ما يضع العراق أمام خطر التحول إلى ساحة صراع بالوكالة بين واشنطن وطهران.
وقال مصدر في الإطار التنسيقي، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ (باسنيوز)، إن «الاجتماع سيناقش قرارات ترامب بشأن إيران وموقف العراق منها، إضافة إلى المطالب الأمريكية الأخيرة بحل الحشد الشعبي، مع التأكيد على أن هذا القانون لا يزال مقترحًا ولم يُمرر رسميًا بعد».
ويرى مراقبون أن المرحلة المقبلة قد تشهد مفاوضات غير علنية بين قادة بعض الفصائل والجانب الأمريكي، في محاولة للحصول على ضمانات تحول دون الملاحقة أو العقوبات أو حتى الاستهداف العسكري، مقابل القبول بحلول وسط تشمل دمج عناصر الحشد الشعبي ضمن الأجهزة الأمنية الرسمية.
توجه جديد
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي بلال السويدي، أن «مشروع قانون تحرير العراق يعكس توجهًا أمريكيًا جديدًا قائمًا على تصعيد الضغوط المباشرة لتفكيك ما تعتبره واشنطن نفوذًا إيرانيًا مهيمنًا على مفاصل الدولة العراقية».
وأضاف السويدي لـ (باسنيوز)، أن «القانون يتجاوز الحدود السياسية التقليدية ويتجه نحو فرض شروط استراتيجية على بغداد، وهي خطوة تحمل في طياتها رسائل حاسمة بشأن طبيعة العلاقة المستقبلية بين واشنطن وبغداد، وتضع الحكومة أمام اختبار يتعلق بسيادتها من جهة، واستمرار دعمها الدولي من جهة أخرى».
وأشار إلى أن «الخطر لا يتمثل فقط في تمرير القانون بل في تداعياته على الداخل العراقي، إذ أن المشهد مرشح لانقسام سياسي أكبر، وربما تصعيد أمني إذا لم تتمكن الحكومة من ضبط التوازنات، خصوصًا أن بعض الفصائل تعتبر هذه التحركات تهديدًا وجوديًا لها».
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية