دعوة للمرور على مخيمات النازحين
داخل خيمة تتلاعب بها الرياح وتهزها هزا عنيفا ، قطعة من قماش سميك لا تمنع تسلل البرد القارص ولا تقي هجير الشمس من التسلل الى داخلها ، خيمة من قماش لا توفر للأرواح التي لاذت بها كل معاني الحماية والكرامة ، ضيقة تضيق معها النفس ، وصغيرة لا تتسع لحاجات أية عائلة ، تتقرفص داخلها هياكل تشبه البشر تلتصق ببعضها وترنو الى السماء لعل شيء من رحمة او تعاطف ، وتتطلع من منافذ وثقوب الخيمة التي تمت معالجتها بقطع النايلون اتقاءا للبرد الذي لا يرحم ، ومنعا للهواء البارد القارص من الدخول .
لانهاراتهم مثل البشر ولا ليلهم ينقضي ، ليس لهم من أمل حتى يمكن الانتظار ، أوحال وثلوج وتراب يدخل كل مسامات الجسد الذي ينوء تحت رحمة الطقس ، كسرات الخبز المحفوظ تحت كومة الفراش وحدها الصادقة معهم ، والتي تعيش معهم وتتحمل معهم كل لحظات الجوع والحزن والكآبة ، والماء الذي يشربونه سقيما ومرا علقما .
داخل الخيمة المرصوفة بجانب خيام أخرى تسرق منهم أيامهم وأعمارهم ، يتهامسون لمعرفة ذنب اقترفوه او جريمة ارتكبوها ، وعالم مرائي منافق لا يرحم ، معهم في العواطف ، ومعهم في الإعلام ، وبعيد عنهم في شتاء لا يرحم ، وبرد زمهرير ينسل كالأفعى الى داخل الروح فيهشم معنوياتها ويسحق صمودها .
عالم يتعامل مع تلك الخيام ومع تلك الأعداد الكبيرة التي تنوء تحت وزرها وثقلها إعلاميا ، وكلاميا ، وتنظيريا دون ان يلمسوا ما يسعف أيامهم وينقذ أطفالهم ويعينهم على حاجاتهم الإنسانية ، ودون ان يتلمسوا ضوء في نهاية نفق الآلام والأوهام والأحلام .
أطفال لا يجدون الدفء ولايمكن إقناعهم بأن حياتهم رهن بخيمتهم ، وبأن هناك من ينظر أليهم على أنهم ورقة سياسية ينبغي الاستفادة منها ، في الحصول على مغانم ومكاسب ومناصب ، أطفال لا يجدون من يمسد لهم شعورهم ولا يمسح دموعهم وأحزانهم ، فيفتقدون ألعابهم البريئة ، وعلاقاتهم الصادقة ، ومدارسهم الجميلة ، فلا يقرأون الأناشيد ولا يعرفون الحساب .
لاوقت مستقطع لدى النازحين ولا اختلاف في أيامهم ومعاناتهم ، وكل ما حصلوا عليه كلاما مكررا ووعودا لم تعد تصدق نفسها ، وها قد انقضت سنة وستليها سنة وهم صاروا جزء من هذه الخيام والمخيمات ، ولم يعد صبرهم او قدرتهم على التحمل كافية ، ولم يعرف ايا منهم متى تنتهي هذه المعاناة الإنسانية .
من يمر عليهم سيشعر بانقباض الروح وغربتها ، ويلمس تلك المشاعر التي بدأت تشيخ داخل أرواحهم ، ما عاد احد منهم يتحمل ، وما عادت سلطاتنا كلها وحكومتنا وسياسيينا تلتفت لقضيتهم بشكل صادق ، فقد باتوا جزء من خراب ذهبنا اليه وسنمضي اليه شرقا او غربا جنوبا او شمالا .
الخيام والكرفانات التي تجمعهم وحدها من يعبر لهم عن صدق المشاعر ، ما عاد يعنيهم الكلام ولا ما تكتبه الصحف وما تبثه الفضائيات ، النساء حبسن الدمع ، والرجال تكسرت دموعهم داخل أرواحهم ، والأطفال انقطعت صلتهم بالطفولة ، وما عادت الأيام كأيام أعمارهم السابقة ، وما عاد للعمر معنى أصلا .
في كندا يستقبلون النازحين بان تتبرع كل عائلة أن تؤوي عائلة نازحة او مهاجرة ، يا لمعانيهم الإنسانية !! ويا لسعة كرمهم وصدقهم مع الذات ، أين نحن منهم ؟؟
مازالت مخيمات النازحين منظرا يدمي القلب ويحزن النفس ، ومازالت مخيمات النازحين موقعا ليتفرج عليها العالم المتمدن ، والأمم المتمدنة التي تلعب لعبة الأمم ، الأطفال في المخيمات يموتون من البرد ومن قلة الغذاء ومن انعدام معاني الحياة ، والكبار يموتون كمدا ، مارايكم في زيارة مخيمات النازحين مرة واحدة في الشهر ؟؟؟؟؟
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية