عراقيون عالقون في تركيا يروون معاناتهم: كأننا متنا هنا
تناولت صحيفة “ذي ناشيونال” الصادرة بالإنكليزية قصصاً من تجارب عراقيين من طالبي اللجوء العالقين في تركيا منذ سنوات، بانتظار حسم مصيرهم، والعديد منهم هربوا من الحرب وتهديد الميليشيات أو بسبب تعاونهم مع القوات الأمريكية، واصفة أحوال بعضهم كأنهم من الموتى.
وأشار التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيو، إلى وجود نحو 13 ألف لاجئ و101 ألف طالب لجوء من العراق في تركيا، بحسب أرقام الحكومة التركية التي تستند عليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأضاف أن تركيا تستضيف واحدة من أكبر مجموعات اللاجئين وطالبي اللجوء في العالم، حيث أنها بالإضافة إلى العراقيين، فهي تستضيف 3.1 مليون سوري، عشرات الآلاف من الأفغان والإيرانيين.
12 عاماً من الانتظار
وبالنسبة إلى حسام، وهو عراقي وأب لثلاث فتيات، فإنه ما يزال ينتظر منذ وقت طويل، وتحديداً 12 سنة وشهرين، وهو لم يكن يتوقع نهائياً أن يعيش في طي النسيان، محاصراً بين تعقيدات نظام اللجوء وبين عدم إمكانية عودته بأمان إلى موطنه بغداد، ولم يتمكن أيضاً من الحصول على موافقة من أجل التوطين في دولة ثالثة.
ونقل التقرير عن حسام قوله إنه “على مدى الفترة الزمنية الطويلة هذه، أصبح ذهني متعباً، وأنا صابر من أجل روحي ومن أجل أطفالي”.
وتناولت مقابلات الصحيفة خمسة عراقيين بينهم حسام، يقيمون في مدينة باليكسير، الواقعة على بعد 3.5 ساعات بالسيارة إلى الجنوب من إسطنبول، وقد تحدثوا عن قصص متشابهة عن الهروب من العراق تحت تهديدات الميليشيات، ووجدوا أنفسهم عالقين في تركيا في انتظار طلبات إعادة التوطين.
وأشار التقرير إلى أنه بعد غزو العراق في العام 2003، التحق حسام، البالغ من العمر الآن 45 عاماً، وشقيقه وسام، البالغ من العمر الآن 47 عاماً، بقوات العمليات الخاصة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة، وقد حاربا طوال تسع سنوات، إلى جانب القوات الأمريكية ضد المتمردين في أنحاء البلد كافة، من الموصل شمالاً إلى البصرة جنوباً.
ولفت التقرير إلى أن الأوضاع لم تكن تسير بشكل طيب بالنسبة لحسام ووسام بحلول آيار/ مايو 2012، حيث كانت القوات الأمريكية قد غادرت العراق، وصارا يتلقيان تهديدات من جماعات الميليشيات بسبب عملهما مع الأمريكيين، وذلك من خلال تلقي رسائل تحذيرية بجانب السيارة، واتصال هاتفي، وعبر رجال يرتدون ملابس سوداء، وقنبلة خارج المنزل.
تأشيرات الهجرة الخاصة
ونقل التقرير عن حسام قوله إنه “في ذلك الوقت، ذهبت إلى قائدي وقلت له: سيدي، أتلقى الكثير من التهديدات، ورد القائد قائلاً: يا حسام، القوات الأمريكية غادرت، وأنا قائد، وأنا أشعر بالخوف”.
وتابع التقرير أن حسام ووسام ودعا وطنهما، وسافرا إلى العاصمة أنقرة حيث أنه كان بالإمكان الحصول بسهولة على تأشيرة دخول إلى تركيا، مضيفاً أن حسام قام بالتسجيل لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وحصل على وثيقة إقامة مؤقتة في تركيا، إلا أن قدرته على التنقل محدودة حيث أنه على غرار اللاجئين الآخرين في البلد، يتحتم عليه في كل مرة يريد مغادرة باليكيسر التقدم بطلب إلى مسؤولي الهجرة الأتراك للحصول على تصريح.
وذكر التقرير أن حسام ووسام تقدما بطلب للحصول على “تأشيرات الهجرة الخاصة” (SIV)، وهي نظام أمريكي يمنح إمكانية إعادة التوطين لآلاف العراقيين والأفغان الذين تعرضت حياتهم للخطر بسبب تعاونهم مع واشنطن.
وتابع التقرير أنه بالرغم من سنوات عمل حسام مع القوات الأمريكية، والتوصيات القوية التي قدمها له كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين، فقد جرى حرمانه في العام 2014 من “تأشيرة الهجرة الخاصة”، حيث أنه من الناحية الفنية كان بمثابة موظف في وزارة الدفاع العراقية، وليس لدى الحكومة الأمريكية أو أحد المقاولين، وبالتالي لم يكن مؤهلاً للحصول عليها.
وتابع التقرير أن شقيقه وسام تمكن من الحصول على “تأشيرة الهجرة الخاصة” وأصبح مواطناً أمريكياً في العام الماضي. لكنه لا يفهم لماذا حصل هو على التأشيرة ولم يحصل عليها شقيقه حسام.
ونقل التقرير عن وسام الذي كان يتحدث عبر الهاتف من منزله في إحدى الولايات الشمالية في الولايات المتحدة، قوله “صحيح أننا كنا نعمل للحكومة العراقية، لكن عملنا كان عبارة عن مهام مشتركة مع الحكومة الأمريكية”، مضيفاً أنه “في عامي 2003 و2004، لم يكن هناك شيء اسمه حكومة عراقية وبرلمان ووزارة دفاع”.
تقول الجمعيات الخيرية إن معايير برنامج الهجرة الخاصة ضيقة وهناك احتمال لحدوث خطأ بشري في بيروقراطية التطبيق الممتدة.
وأشار التقرير إلى أن حسام تقدم مجدداً بطلب لإعادة توطينه من خلال الأمم المتحدة، ثم في العام 2017 أجرت “اللجنة الدولية للهجرة الكاثوليكية” (ICMC) التي تتولى قضايا إعادة التوطين من تركيا إلى الولايات المتحدة، مقابلة معه، إلا أنه ما يزال ينتظر منذ ذلك الوقت.
الشعور بالغربة
وتابع التقرير قائلاً إن البنت الكبرى لحسام كانت تبلغ من العمر 18 شهراً عندما هربت العائلة إلى تركيا، وهي الآن بعمر 14 سنه، ولديها شقيقتان صغيرتان، عمرهما 13 و9 أعوام.
ونقل التقرير عن حسام قوله “لا أريد لأطفالي أن يشعروا أنهم يعيشون في الغربة، ولهذا اعتني بهم، إلا أنني أتألم من داخلي”.
وذكر التقرير أن الحياة في باليكسير صعبة، مضيفاً أن وثيقة الإقامة المؤقتة لحسام لا تسمح له بالعمل، ولهذا فأنه يكافح ليتمكن من دفع الفواتير ويعتمد على أموال من عائلته في الخارج.
ولفت التقرير إلى أن الحياة صعبة أيضاً على بنات حسام الذي يشير إلى أنهن يذهبن إلى المدرسة، لكن زملائهن الأتراك يضايقونهن ويشيرون اليهن على أنهن “أجانب ولا يتحدثون معهن”.
وبرغم أن التقرير لفت إلى أن حسام واجه التهديدات من جانب الميليشيات بسبب عمله مع الجيش الأمريكي، إلا أن أسباب هروب عراقيين آخرين إلى تركيا عديدة، مشيراً في هذا السياق الى تجربة محمود الدليمي “46 عاماً” الذي كان يعمل صحفياً إذاعياً في بغداد في آب/ أغسطس 2013، عندما احتجزته الميليشيات أثناء تغطيته للتظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات، ثم تقدم لاحقاً بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا وغادر العراق.
التعامل العنصري
وأشار التقرير إلى أن الدليمي لم يتمكن من المضي قدماً بحياته، مضيفاً أن اللجنة الكاثوليكية أجرت معه مقابلة من أجل نقله إلى الولايات المتحدة في العام 2018، لكنه ما يزال ينتظر.
ونقل التقرير عنه قوله وهو يجلس في شقته الضيقة في الطابق السفلي في باليكسير “يبدو الأمر كما لو أننا متنا هنا.. لقد هدرت 12 سنة من حياتي”.
وأضاف التقرير أنه برغم كل هذا الوقت الذي انقضى، إلا أن الدليمي لم يتمكن من الاندماج أبداً في المجتمع التركي حيث تزايدت المشاعر المناهضة للمهاجرين مع ارتفاع التضخم وتأثر معيشة الأتراك.
ونقل التقرير عن الدليمي قوله “أنا لا أختلط معهم أبداً، وليس لدي سوى صديق تركي واحد، وهو من أورفة ويتحدث العربية، ولدي صديق تركي يعيش في ألمانيا، ويأتي كل عام لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، وبخلاف ذلك ليس لدي أي أصدقاء أتراك إذ يتحدثون إلينا بألفاظ غير لائقة: لماذا لا تعودون إلى بلدكم؟ لماذا أنتم هنا؟”.
وفي حين لفت التقرير إلى أن ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا يقول إن إعادة التوطين لا تعتبر بمثابة حق، وإنما هي عملية طويلة وقد تتطلب شهوراً أو سنوات، نقل التقرير عن ممثل وزارة الخارجية الأمريكية قوله إن الولايات المتحدة استقبلت أكثر من 60 ألف لاجئ من أنحاء العالم كافة خلال العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ العام 2016.
وبحسب الممثل الأمريكي، فإن “برنامج قبول اللاجئين الأمريكي حقق تقدماً كبيراً في تخفيض عدد الأشخاص المتراكمين، أي الأفراد الذين لديهم حالات أحيلت إلى البرنامج قبل العام 2018”.
إلا أن التقرير ختم بالقول إن الناس مثل الدليمي وحسام يشعرون بأنهم منسيون. ونقل عن حسام قوله “لقد خدمت بلدي وعملت مع القوات الأمريكية، فهل هذا عقابي؟”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية